صفحة جزء
فلما دخلت سنة عشرين ، رجفت المدينة بالزلزلة ، وشكا أهل الكوفة [ ص: 220 ] سعدا ، وزعموا أنه لا يحسن يصلي ، فاستقدمه عمر وسأله فقال : إني أركن في الأوليين وأحذف في الآخرتين ، فقال : كذاك الظن فيك يا أبا إسحاق ، ثم عزل عمر قدامة بن مظعون عن البحرين ، ودخل أبو بحرية الكندي عبد الله بن قيس بلاد الروم وأغار ، وهو أول من دخلها ، وافتتح مصر والإسكندرية عمرو بن العاص عنوة ، وقد فتحت سنة إحدى وعشرين ، وغنم بها غنائم كثيرة ثم رجع ، فلما بلغ بلهيب - قرية من قرى الريف - أرسل صاحب الإسكندرية إلى عمرو بن العاص أني قد كنت أخرج الجزية إلى من هو أبغض إلي منكم : فارس والروم ، فإن أحببت أن أعطيك الجزية على أن ترد علي من السبي فعلت ، فبعث إليه عمرو بن العاص : أن من ورائي أميرا لا أستطيع أن أنفذ أمرا دونه ، فإن شئت أن أمسك عنك وتمسك عني حتى أكتب إليه بالذي عرضت علي فعلت ، فإن قبل ذلك قبلته ، وإن أمرني بغير ذلك مضيت لأمره ، فقال : نعم ، فكتب عمرو إلى عمر ، فكتب إليه عمر : أما بعد فقد جاءني كتابك تذكر فيه أن صاحب الإسكندرية عرض عليك الجزية على أن ترد عليه ما أصبت من سبي أرضه ، ولعمري [ ص: 221 ] لجزية قائمة تكون لنا ولمن بعدنا من المسلمين أحب إلي من فيء يقسم ثم كأنه لم يكن ، فاعرض على صاحب الإسكندرية أن يعطيك الجزية على أن تخيروا من في أيديكم من سبيهم بين الإسلام وبين دين قومهم ، فمن اختار الإسلام فهو من المسلمين ، له ما لهم وعليه ما عليهم ، ومن اختار دين قومه وضع عليه من الجزية ما يوضع على أهل دينه ، وأما من تفرق من سبيهم فبلغ المدينة ومكة واليمن فإنا لا نقدر على ردهم ، فلا نحب أن نصالحهم على ما لا نفي به ، فبعث عمرو بن العاص إلى صاحب الإسكندرية يعلمه بالذي كتب أمير المؤمنين ، فقال : قد قبلت ، فجمعوا ما بأيديهم من السبي ، واجتمعت النصارى ، فكانوا يخيرون الرجل بين الإسلام والنصرانية ، فإن اختار الإسلام كبر المسلمون وانحاز إليهم ، وإن اختار النصرانية نخرت النصارى ثم حازوه إليهم ، ووضعوا عليهم الجزية .

ثم كتب عمرو بن العاص إلى عمر : أما بعد ، يا أمير المؤمنين ، فإنا قدرنا على البحر ، وإن شئت أن تركبه ركبت ، فكتب إليه عمر أن صف لي كيف حاله وحال من ركبه ، فكتب إليه عمرو بن العاص أنه خلق شديد ، يحل فيه خلق ضعيف ، دود على عود ، إن استمسك به فزع ، وإن خر غرق ، فكتب إلى عمرو بن العاص : ما كان الله ليسألني عن أمري من المسلمين الذين حملتهم فيه ، لا حاجة لنا به .

[ ص: 222 ] وتوفي بلال بن رباح مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدمشق ، ودفن في المقبرة عند باب الصغير ، ثم أخرج عمر يهود الحجاز من نجران إلى الكوفة وقال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : لئن عشت لأخرجن اليهود من جزيرة العرب ، ثم قال لهم : من كان له منكم عهد من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فليأت بعهده حتى ننفذه ، ومن لم يكن له عهد فإني أجليه ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " أقركم ما أقركم الله " ، وقد أذن الله بإجلائكم إلا أن يأتي رجل منكم بعهد أو بينة من النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أقره فأقره ، وقد فعلتم بمظهر بن رافع الحارثي ما فعلتم ، وذلك أن مظهر بن رافع خرج بأعلاج له من الشام ، حتى إذا كان بخيبر دخل قوم من اليهود وأعطوا غلمانه السلاح وحرضوهم على قتله فقتلوه ، فأجلى عمر اليهود من الحجاز ، وقسم خيبر على ثمانية عشر سهما ، ثم بعث إلى فدك أبا حبيبة الحارثي ، ومضى إلى وادي القرى ، وأنفذ ظعن خيبر ووادي القرى على ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سماها إلا أنه فرقها ، وصارت في أيدي أهلها تباع وتورث ، بدأ بأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ففرض لكل امرأة منهن [ ص: 223 ] اثني عشر ألفا ، وفرض لأهل بدر صبيهم وحليفهم ومولاهم خمسة آلاف خمسة آلاف ، وفرض للأنصار صبيهم وحليفهم ومولاهم أربعة آلاف أربعة آلاف .

ثم مات أسيد بن حضير في شعبان ودفن بالبقيع .

ومات هرقل ملك الروم وأقعد مكانه قسطنطين ، ثم أغارت الحبشة على أهل بلجة فأصابوهم ، وقدم الصريخ على عمر ، فبعث علقمة بن مجزز المدلجي في عشرين مركبا إلى الحبشة فأغاروا عليهم ، ولم يحمل بعدها مسلما في البحر .

ثم عزل عمر أبا موسى عن البصرة وولاها عثمان بن أبي العاص ، وأمرهما أن يطاوعا ، فنزل عثمان توج ومصرها ، وبعث سوار بن همام العبدي إلى سابور فقتل بعقبة الطين .

ثم ماتت زينب بنت جحش زوجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأل عمر : من يغسلها ؟ فقالت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - : نحن نغسلها ، فغسلنها ، وصلى عليها عمر وكبر أربعا ، فلما أتي بسريرها أمر عمر بثوب فمد على قبرها ، وأمر أسامة بن زيد وابن أخيها محمد بن عبد الله بن [ ص: 224 ] جحش ومحمد بن طلحة بن عبيد الله فدخلوا قبرها ولحدوا لها ، وقام عمر على قبرها حتى سوي عليها ، ورش على قبرها الماء ثم انصرف . وحج عمر بالناس .

التالي السابق


الخدمات العلمية