صفحة جزء
فلما دخلت السنة السادسة والثلاثون .

تشاوروا في مسيرهم ، فقال الزبير : عليكم بالشام بها الأموال والرجال ، وقال ابن عامر : البصرة ، فإن غلبتهم عليها فلكم الشام ، إن معاوية قد سبقكم إلى الشام ، وهو ابن عم عثمان ، وإن البصرة لي بها صنائع ولأهلها في طلحة هوى ، وكانت عائشة تقول : نقصد المدينة ، فقالوا لها : [ ص: 280 ] يا أم المؤمنين دعي المدينة فإن من معك لا يقرنون لتلك الغوغاء ، واشخصي معنا إلى البصرة ، فإن أصلح الله هذا الأمر كان الذي نريد ، وإلا فقد بلغنا ويقضي الله فيه ما أحب ، وكلموا حفصة ابنة عمر أن تخرج معهم ، فقالت : رأيي تبع لرأي عائشة ، فأتاها عبد الله بن عمر فناشدها الله أن تخرج ، فقعدت وبعثت إلى عائشة أن أخي حال بيني وبين الخروج ، فقالت : يغفر الله لابن عمر ، ثم نادى منادي طلحة والزبير : من كان عنده مركب وجهاز ، وإلا فهذا جهاز ومركب ، فحملوا على ستمائة ناقة سوى من كان له مركب ، وكانوا نحو ألف نفس ، وتجهزوا بالمال ، وشيعهم نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان كلهن بمكة حاجات إلا أم سلمة فإنها سارت إلى المدينة ، فلما بلغوا ذات عرق ودعت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبكين وبكى الناس ، فما رأوا بكاء أكثر من ذلك اليوم ، وسمي يوم النحيب ، وجعلن يدعون على قتلة عثمان الذين سفكوا في حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم الدم الحرام ، ثم انصرفن ، ومضت عائشة وهي تقول : اللهم إنك تعلم أني لا أريد إلا الإصلاح فأصلح بينهم .

وبعثت أم الفضل حين خرجت عائشة ومن معها من مكة إلى علي رجلا من جهينة قالت له : اقتل في كل مرحلة بعيرا وعلي ثمنه ، [ ص: 281 ] وهذه مائة دينار وكسوة ، وكتبت معه : أما بعد ، فإن طلحة والزبير وعائشة خرجوا من مكة يريدون البصرة ، فقدم المدينة وأعطى عليا الكتاب ، فدعا علي محمد بن أبي بكر فقال له : ألا ترى إلى أختك خرجت مع طلحة والزبير ، فقال محمد بن أبي بكر : إن الله معك ولن يخذلك ، والناس ناصروك .

ثم قام علي فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : يا أيها الناس تهيؤوا للخروج إلى قتال أهل الفرقة فإني سائر إن شاء الله ، إن الله بعث رسولا صادقا بكتاب ناطق وأمر واضح ، لا يهلك عنه إلا هالك ، وإن في سلطان الله عصمة أمركم ، فأعطوه طاعتكم ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الإسلام ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها ، انهضوا إلى هؤلاء الذين يريدون تفريق جماعتكم ، لعل الله يصلح بكم ذات البين .

التالي السابق


الخدمات العلمية