صفحة جزء
وبعث علي الحسين بن علي وعمار بن ياسر إلى الكوفة لاستنفارهم ، فلما قدموا الكوفة قام أبو موسى الأشعري في الناس وكان واليا عليها وأخبرهم بقدوم الحسن واستنفاره إياهم إلى أمير المؤمنين [ ص: 282 ] على إصلاح البين .

وقدم زيد بن صوحان من عند عائشة معه كتابان من عائشة إلى أبي موسى والي الكوفة وإذا في كل كتاب منهما : بسم الله الرحمن الرحيم ، من عائشة أم المؤمنين إلى عبد الله بن قيس الأشعري ، سلام عليك ، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ، أما بعد ، فإنه قد كان من قتل عثمان ما قد علمت ، وقد خرجت مصلحة بين الناس ، فمر من قبلك بالقرار في منازلهم ، والرضا بالعافية ، حتى يأتيهم ما يحبون من صلاح أمر المسلمين ، فإن قتلة عثمان فارقوا الجماعة وأحلوا بأنفسهم البوار ، فلما قرأ الكتابين وثب عمار بن ياسر فقال : أمرت عائشة بأمر ، وأمرنا بغيره ، أمرت أن تقر في بيتها ، وأمرنا أن نقاتل حتى لا تكون فتنة ، فهو ذا تأمرنا بما أمرت ، وركبت ما أمرنا به ، ثم قال : هذا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخرجوا إليه ، ثم انظروا في الحق ومن الحق معه ، ثم قام الحسن بن علي فقال : يا أيها الناس أجيبوا دعوة أميركم ، وسيروا إلى إخوانكم ، لعل الله يصلح بينكم ، ثم قام هند بن عمرو البجلي فقال : إن أمير المؤمنين قد دعانا وأرسل إلينا ابنه فاتبعوا قوله وانتهوا إلى أمره ، فقام حجر بن عدي الكندي فقال : أيها الناس أجيبوا أمير المؤمنين ، وانفروا خفافا وثقالا بأموالكم وأنفسكم ، ثم قال الحسن : [ ص: 283 ] أيها الناس إني غاد ، فمن شاء منكم فليخرج معي على الظهر ، ومن شاء فليخرج في الماء ، فأجابوه ، وخرج معه تسعة آلاف نفس بعضهم على البر وبعضهم على الماء ، وساروا حتى بلغوا ذا قار ، وخرج علي من المدينة معه ستمائة رجل ، وخلف على المدينة سهل بن حنيف ، فالتقى هو وابنه الحسن مع من خرج معه من الكوفة بذي قار ، فخرجوا جميعا إلى البصرة ، ولم يدخل علي الكوفة ، وكتب إلى المدينة إلى سهل بن حنيف أن يقدم عليه ويولي على المدينة أبا حسن المازني ، والتقى مع طلحة والزبير وعائشة بالجلحاء على فرسخين من البصرة ، وذلك لخمس خلون من جمادى الآخرة ، وكان علي كثيرا ما يقول : يا عجب كل العجب من جمادى ورجب ، فكان من أمرهم ما كان .

وقتل ابن جرموز الزبير ثم أتى عليا يخبره ، فقال علي : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : قاتل ابن صفية بالنار . فقال ابن جرموز : إن قتلنا معكم فنحن في النار ، وإن قاتلناكم فنحن في النار ، ثم بعج بطنه بسيفه فقتل نفسه .

وأما طلحة فرماه مروان بن الحكم بسهم من ورائه ، فأثبته فيه وقتله ، وحمله إلى البصرة فمات بها ، [ ص: 284 ] فقبر طلحة بالبصرة ، وقتل الزبير بوادي السباع ، وكان كعب بن سور قد علق المصحف في عنقه ثم يأتي هؤلاء فيذكرهم ، ويأتي هؤلاء فيذكرهم حتى قتل .

وكان علي ينادي مناديه : لا تقتل مدبرا ، ولا تذفف على جريح ، ومن أغلق بابه فهو آمن ، ومن طرح السلاح فهو آمن ، ولم يقتل بعد آن واحدا .

فلما اطمأن الناس بعث علي بعائشة مع نساء من أهل العراق إلى المدينة ، وأقام بالبصرة خمسة عشر يوما ثم خرج إلى الكوفة ، وولى على البصرة عبد الله بن عباس ، وولى الولاة في البلدان ، وكتب إلى المدن بالقرار والطاعة .

ثم إن أبا مسلم الخولاني قال لمعاوية : على ما تقاتل عليا وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وله من القدم والسابقة ما ليس لك ، وإنما أنت رجل من الطلقاء ، فقال له معاوية : أجل ، والله ما نقاتل عليا ، وأنا لست أدعي في الإسلام مثل الذي له ، ولكن أقاتله على دم أمير المؤمنين عثمان بن عفان ، وأنا أطلبه بدمه ، فقال أبو مسلم : إني [ ص: 285 ] أستخبر لك عن ذلك ، فركب راحلته وانتهى إلى الكوفة ، ثم نزل عن راحلته وأتى عليا ماشيا والناس عنده ولا يعرفه أحد ، فقال : من قتل عثمان ؟ فقال علي : الله قتل عثمان وأنا معه ، فخرج أبو مسلم ولم يتكلم ، ومضى حتى انتهى إلى راحلته فركبها ، ولحق بالشام فانتهى إلى معاوية وهو يثقل ، فقيل له : هذا أبو مسلم قد جاء ، فعانقه معاوية وسأله عن سفره وخاف أن يكون قد جاء بشيء مما يكره ، فقال أبو مسلم : والله لتقاتلن عليا أو لنقاتلنه ، فإنه قد أقر بقتل أمير المؤمنين عثمان ، فقام معاوية فرحا وصعد المنبر واجتمع إليه الناس وحمد الله وأثنى عليه ، وقام أبو مسلم خطيبا وحرض الناس على قتال علي ، فصح خروج أهل الشام قاطبة على علي وطلبهم إياه بدم عثمان .

ثم إن حجر بن الأدبر قدم على علي فقال : يا أمير المؤمنين ، الجماعة والعدد والمال مع الأشعث بن قيس بأذربيجان فابعث إليه فليقدم ، فكتب إليه علي : بسم الله الرحمن الرحيم ، من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى الأشعث بن قيس ، أما بعد ، فإذا أتاك كتابي هذا فاقدم واحمل ما غللت من المال . فكتب إليه الأشعث بن قيس : أما بعد ، فقد جاءني كتابك بأن أقدم عليك ، وأحمل ما غللت من مال الله ، [ ص: 286 ] فما أنت وذاك ، والسلام ، ثم قال الأشعث : والله لأدعنه بحال مضيعة ، ولأفسدن عليه الكوفة ، ثم ارتحل من أذربيجان وهو يريد معاوية ، وبلغ ذلك عليا وشق عليه خروجه إلى معاوية ، فقال حجر بن الأدبر : يا أمير المؤمنين ، ابعثني إلى الأشعث بن قيس فأنا أعرف به وأرفق ، وإن هو خوشن لم يجب أحدا ، قال له علي : سر إليه ، فسار حجر إليه فأدركه بشهرزور ، فقال له حجر : يا أبا محمد أنشدك الله أن تأتي معاوية وتدع ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال الأشعث : أو ما سمعت كتابه إلي ؟ فقال حجر : إنك إن أتيت معاوية أقبلنا جميعا إلى الشام ، وأنشدك الله إلا نظرت إلى أيتام قومك وأياماهم ، فإني لا آمن أن يفتضحوا غدا ، قال : فما تريد يا حجر ؟ قال : تنحدر معي إلى الكوفة ، فإنك شيخ العرب وسيدها والمطاع في قومك ، وسيصير إليك الأمر ، فلم يزل به حجر حتى قال : ليصرفوا صدور الركائب إلى الكوفة ، فتقدم على علي فسر علي بمجيئه فقال : مرحبا وأهلا بأبي محمد على عجلته ، فقال : أمير المؤمنين إن هذا ليس بيوم عتاب ، ثم أقام مع علي بالكوفة ، وحج بالناس عبد الله بن عباس بأمر علي ولاه .

التالي السابق


الخدمات العلمية