صفحة جزء
فلما دخلت السنة التاسعة والثلاثون

استعمل علي يزيد بن حجية التميمي على الري ، ثم كتب إليه بعد مدة أن اقدم ، فقدم على علي فقال له : أين ما غللت من مال الله ؟ قال : ما غللت ، فخفقه بالدرة خفقات وحبسه في داره ، فلما كان في بعض الليالي [ ص: 299 ] قرب يزيد البواب وماحله ، ولحق بالرقة وأقام بها حتى أتاه إذن معاوية ، فلما بلغ عليا لحوقه معاوية قال : اللهم إن يزيد أذهب بمال المسلمين ولحق بالقوم الظالمين ، اللهم فاكفنا مكره وكيده .

ثم وجه معاوية خيلا فيهم : الضحاك بن قيس الفهري ، وسفيان بن عوف الدابري ، فأغار سفيان على الأنبار وفيها مسلحة لعلي ، فلما بلغ عليا خروجهم خرج من بيته والناس في المسجد ، فلما رأوه صاحوا ، قال : اسكتوا اسكتوا ، فلما سكتوا قال : شاهت الوجوه ! شاهت الوجوه ! إن قلت : نعم ، قلتم : لا ، وإن قلت : لا ، قلتم : نعم ، إن استنفرتكم في الحر قلتم : الحر شديد فإذا جاء الشتاء نفرنا ، وإذا جاء الشتاء واستنفرتكم قلتم : البرد شديد وإذا كان الصيف نفرنا ، إن عدوكم يجد من الهناء ما تجدون ، ولكن لا رأي لمن لا يطاع ، وددت أن لي بجماعتكم ألف فارس .

ثم بعث معاوية بسر بن أرطاة - أحد بني عامر بن لؤي - في جيش من أهل الشام إلى المدينة وعليها أبو أيوب الأنصاري ، فهرب منه [ ص: 300 ] أبو أيوب ولحق عليا بالكوفة ، ولم يقاتله أحد بالمدينة حتى دخلها ، فصعد منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل ينادي : يا أهل المدينة ، والله لولا ما عهد إلي أمير المؤمنين معاوية ما تركت فيها محتلما إلا قتلته ، فبايع أهل المدينة معاوية ، وأرسل إلى بني سلمة : ما لكم عندي أمان حتى تأتوني بجابر بن عبد الله ، فدخل جابر بن عبد الله على أم سلمة ، وقال : يا أماه إني خشيت على دمي ، وهذه بيعة ضلالة ، فقالت : أرى أن تبايع ، فخرج جابر بن عبد الله فبايع بسر بن أرطاة لمعاوية كارها ، ثم خرج بسر حتى أتى مكة ، فخافه أبو موسى الأشعري وكان والي مكة لعلي ، وتنحى عن مكة حتى دخلها ، ثم مضى إلى اليمن وعليها عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب عامل علي ، فلما سمع به عبيد الله هرب ، واستخلف على اليمن عبد الله بن عبد المدان ، وكانت ابنته تحت عبيد الله بن عباس ، فلما قدم بسر اليمن قتل عبد الله بن عبد المدان ، وأخذ ابنين لعبيد الله بن عباس بن عبد المطلب - من أحسن الصبيان - صغيرين كأنهما درتان ، ففعل بهما ما فعل .

فلما حضر الموسم بعث علي على الحج عبد الله بن عباس ، وبعث [ ص: 301 ] معاوية يزيد بن شجرة الرهاوي ، فاجتمعا بمكة وتنازعا وأبى كل واحد منهما أن يسلم لصاحبه إقامة الحج ، فاجتمع الناس على شيبة بن عثمان بن أبي طلحة ، فحج بالناس شيبة بن عثمان .

التالي السابق


الخدمات العلمية