صفحة جزء
4057 - فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سيدة نساء العالمين ، على أبيها وعليها السلام .

كانت هي وأختها أم كلثوم أصغر بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم . واختلف في الصغرى منهما ، وقد قيل : إن رقية أصغر منها ، وليس ذلك عندي بصحيح . وقد ذكرنا في باب رقية ما تبين به صحة ما ذهبنا إليه في ذلك ، ومضى في باب زينب وباب خديجة من ذلك ما فيه كفاية .

وقد اضطرب مصعب والزبير في بنات النبي صلى الله عليه وسلم ، أيتهن أكبر وأصغر اضطرابا يوجب ألا يلتفت إليه في ذلك . والذي تسكن إليه النفس على ما تواترت به الأخبار في ترتيب بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم أن زينب الأولى ، ثم الثانية رقية ، ثم الثالثة أم كلثوم ، ثم الرابعة فاطمة الزهراء والله أعلم .

قال ابن السراج : سمعت عبد الله بن محمد بن سليمان بن جعفر الهاشمي يقول : ولدت فاطمة رضي الله عنها سنة إحدى وأربعين من مولد النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنكح رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة علي بن أبي طالب بعد وقعة أحد . وقيل : إنه تزوجها بعد أن ابتنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة بأربعة أشهر ونصف ، وبنى بها بعد تزويجه إياها بتسعة أشهر ونصف ، وكان سنها يوم تزويجها خمس عشرة سنة وخمسة أشهر ونصفا ، وكانت سن علي إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر .

وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري ، قال : قال علي لأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم : اكفي بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم الخدمة خارجا وسقاية الماء الحاج ، [ ص: 1894 ] وتكفيك العمل في البيت : العجن والخبز والطحن . قال : أبو عمر : فولدت له الحسن ، والحسين ، وأم كلثوم ، وزينب ، ولم يتزوج علي عليها غيرها حتى ماتت .

واختلف في مهره إياها ، فروي أنه أمهرها درعه ، وأنه لم يكن له في ذلك الوقت صفراء ولا بيضاء . وقيل : إن عليا تزوج فاطمة رضي الله عنهما على أربعمائة وثمانين ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل ثلثها في الطيب . وزعم أصحابنا أن الدرع قدمها علي من أجل الدخول بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه في ذلك .

وتوفيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بيسير . قال محمد بن علي : بستة أشهر . وقد روي عن ابن شهاب مثله . وروي عنه بثلاثة أشهر . وقال عمرو بن دينار : توفيت فاطمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بثمانية أشهر . وقال ابن بريدة : عاشت فاطمة بعد أبيها سبعين يوما .

روى الشعبي ، عن مسروق ، عن عائشة ، قالت : حدثتني فاطمة قالت : أسر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : إن جبرئيل كان يعارضني بالقرآن كل سنة مرة ، وإنه عارضني العام مرتين ، ولا أراه إلا قد حضر أجلي ، وإنك أول أهل بيتي لحاقا بي ، ونعم السلف أنا لك . قالت : فبكيت .

ثم قال : ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الأمة أو نساء العالمين ! فضحكت .
وروى عبد الرحمن بن أبي نعم ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : فاطمة سيدة نساء أهل الجنة إلا ما كان من مريم بنت عمران [ ص: 1895 ] .

وذكر ابن السراج ، قال : حدثنا محمد بن الصباح ، قال : حدثنا علي بن هاشم ، عن كثير النواء ، عن عمران بن حصين - أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد فاطمة وهي مريضة ، فقال لها : كيف تجدينك يا بنية؟ قالت : إني لوجعة ، وإنه ليزيدني أني ما لي طعام آكله . قال : يا بنية ، أما ترضين أنك سيدة نساء العالمين! قالت : يا أبت ، فأين مريم بنت عمران؟ قال : تلك سيدة نساء عالمها ، وأنت سيدة نساء عالمك ، أما والله لقد زوجتك سيدا في الدنيا والآخرة . قال : وأخبرنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن يزيد بن سنان أبي فروة ، عن عقبة بن يريم ، عن أبي ثعلبة الخشني ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من غزو أو سفر بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين ، ثم يأتي فاطمة ، ثم يأتي أزواجه - وذكر تمام الحديث .

وذكر الدراوردي ، عن موسى بن عقبة ، عن كريب ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سيدة نساء أهل الجنة مريم ، ثم فاطمة بنت محمد ، ثم آسية امرأة فرعون . أخبرنا قاسم بن محمد ، قال : حدثنا مخلد بن سعد ، قال : حدثنا أحمد بن عمرو ، قال : حدثنا ابن سنجر ، قال : حدثنا عارم ، قال : حدثنا داود بن أبي الفرات ، عن علباء بن أحمر ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : خط رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض أربعة خطوط ، ثم قال : أتدرون ما هذا؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ، ومريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون [ ص: 1896 ] .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أبو قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي ، قال : حدثنا بدل بن المحبر ، قال : حدثنا .

عبد السلام ، قال : سمعت أبا يزيد المدني يحدث عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خير نساء العالمين أربع : مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم . وفي باب خديجة نظير هذا وشبهه من وجوه ، وقد ذكرناها بطرقها هنالك ، فأغنى عن إعادتها ها هنا .

وذكر السراج قال : حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر - أنه أخبره عن قتادة عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ، وآسية امرأة فرعون . قال : وحدثنا محمد بن الصباح ، قال : حدثنا عثمان بن عمر ، عن إسرائيل ، عن ميسرة بن حبيب ، عن المنهال بن عمرو ، عن عائشة بنت طلحة ، عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت : ما رأيت أحدا كان أشبه كلاما وحديثا برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة ، وكانت إذا دخلت عليه قام إليها فقبلها ورحب بها ، كما كانت تصنع هي به صلى الله عليه وسلم .

قال : وحدثنا محمد بن حميد ، حدثنا سلمة عن ابن إسحاق ، عن يحيى بن عبادة ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : ما رأيت أحدا كان أصدق لهجة من فاطمة ، إلا أن يكون الذي ولدها صلى الله عليه وسلم [ ص: 1897 ] .

أخبرنا خلف بن قاسم ، حدثنا علي بن محمد بن إسماعيل ، حدثنا محمد بن إسحاق السراج ، حدثنا الحسن بن يزيد الطحان ، حدثنا عبد السلام بن حرب ، عن أبي الجحاف ، عن جميع بن عمير ، قال : دخلت على عائشة ، فسألت أي الناس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت : فاطمة . قلت : فمن الرجال؟ قالت : زوجها ، إن كان ما علمته صواما قواما .

قال : وأخبرني إبراهيم بن سعيد الجوهري ، قال : حدثنا شاذان ، عن جعفر الأحمر ، عن عبد الله بن عطاء ، عن ابن بريدة ، عن أبيه ، قال : كان أحب النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة ، ومن الرجال علي بن أبي طالب .

قال : وأخبرنا قتيبة بن سعيد ، قال : حدثنا محمد بن موسى ، عن عون ابن محمد بن علي بن أبي طالب ، عن أمه أم جعفر بنت محمد بن جعفر ، وعن عمار بن المهاجر ، عن أم جعفر - أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت لأسماء بنت عميس : يا أسماء ، إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء ، إنه يطرح على المرأة الثوب فيصفها . فقالت أسماء : يا بنت رسول الله ، ألا أريك شيئا رأيته بأرض الحبشة! فدعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت عليها ثوبا ، فقالت فاطمة : ما أحسن هذا وأجمله! تعرف به المرأة من الرجال ، فإذا أنا مت فاغسليني أنت وعلي ، ولا تدخلي علي أحدا . فلما توفيت جاءت عائشة تدخل ، فقالت أسماء : لا تدخلي . فشكت إلى أبي بكر ، فقالت : إن هذه الخثعمية تحول بيننا وبين بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رقد جعلت لها مثل هودج العروس - فجاء أبو بكر ، فوقف على الباب ، فقال : يا أسماء ، ما حملك على أن منعت [ ص: 1898 ] أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخلن على بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجعلت لها مثل هودج العروس؟ فقالت : أمرتني ألا يدخل عليها أحد ، وأريتها هذا الذي صنعت ، وهي حية ، فأمرتني أن أصنع ذلك لها . قال أبو بكر :

فاصنعي ما أمرتك . ثم انصرف ، فغسلها علي وأسماء .

قال أبو عمر : فاطمة رضي الله عنها أول من غطي نعشها من النساء في الإسلام على الصفة المذكورة في هذا الخبر ، ثم بعدها زينب بنت جحش رضي الله عنها ، صنع ذلك بها أيضا .

وماتت فاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت أول أهله لحوقا به ، وصلى عليها علي بن أبي طالب . وهو الذي غسلها مع أسماء بنت عميس ، ولم يخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بنيه غيرها . وقيل :

توفيت فاطمة بعده بخمس وسبعين ليلة . وقيل بستة أشهر إلا ليلتين ، وذلك يوم الثلاثاء لثلاث خلون من شهر رمضان ، وغسلها زوجها علي رضي الله عنه ، وكانت أشارت عليه أن يدفنها ليلا . وقد قيل : إنه صلى عليها العباس بن عبد المطلب ودخل قبرها هو وعلي والفضل .

واختلف في وقت وفاتها ، فقال محمد بن علي أبو جعفر : توفيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بستة أشهر .

وروي عنه أيضا أنها لبثت بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشهر وقيل : بل ماتت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بمائة يوم .

وقال الواقدي : حدثنا معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، قال :

وأخبرنا ابن جريج ، عن الزهري ، عن عروة - أن فاطمة توفيت بعد النبي صلى [ ص: 1899 ] الله عليه وسلم بستة أشهر . قال محمد بن عمر : وهو أشبه عندنا . قال : وتوفيت ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من شهر رمضان سنة إحدى عشرة .

وذكر عن جعفر بن محمد ، قال : كانت كنية فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أبيها . وقال عبد الله بن الحارث ، وعمرو بن دينار : توفيت بعد أبيها بثمانية أشهر . وقال ابن بريدة : عاشت بعده سبعين يوما . وقال المدائني :

ماتت ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من شهر رمضان سنة إحدى عشرة ، وهي ابنة تسع وعشرين سنة ولدت قبل النبوة بخمس سنين ، صلى عليها العباس رضي الله عنه .

واختلف في سنها وقت وفاتها ، فذكر الزبير بن بكار أن عبد الله بن الحسن ابن الحسن دخل على هشام بن عبد الملك وعنده الكلبي ، فقال هشام لعبد الله ابن الحسن : يا أبا محمد ، كم بلغت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم من السن؟ فقال : ثلاثين سنة . فقال هشام للكلبي : كم بلغت من السن؟ فقال :

خمسا وثلاثين سنة . فقال هشام لعبد الله بن الحسن : [يا أبا محمد ] ، اسمع ، الكلبي يقول ما تسمع ، وقد عني بهذا الشأن ، فقال عبد الله بن الحسن : يا أمير المؤمنين سلني عن أمي ، وسل الكلبي عن أمه .

التالي السابق


الخدمات العلمية