صفحة جزء
عزل الحجاج بن يوسف عن الحرمين

حدثنا محمد بن أبي الأزهر، قال: حدثنا الزبير بن بكار، قال: وحدثني محمد بن يحيى،

[ ص: 25 ] قال: حدثني عمران بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف الزهري قال: لما ولي الحجاج بن يوسف الحرمين، بعد قتل عبد الله بن الزبير استحضر إبراهيم بن طلحة بن عبيد الله وقربه في المنزلة فلم يزل على حاله عنده، حتى خرج إلى عبد الملك زائرا له فخرج معه فعادله لا يترك في بره وإجلاله وتعظيمه شيئا، فلما حضر باب عبد الملك حضر به معه، فدخل على عبد الملك فلم يبدأ بشيء بعد السلام إلا أن قال: قدمت عليك يا أمير المؤمنين برجل الحجاز، لم أدع له والله فيها نظيرا في كمال المروءة والأدب والديانة، ومن الستر وحسن المذهب والطاعة والنصيحة، مع القرابة ووجوب الحق: إبراهيم بن طلحة بن عبيد الله وقد أحضرته بابك لتسهل عليه إذنك وتلقاه ببشرك وتفعل ما تفعل بمثله ممن كانت مذاهبه مثل مذاهبه، فقال عبد الملك: ذكرتنا حقا واجبا ورحما قريبا، يا غلام ائذن لإبراهيم بن طلحة، فلما دخل عليه قربه حتى أجلسه على فرشه، ثم قال له: يا ابن طلحة! إن أبا محمد أذكرنا ما لم نزل نعرفك به من الفضل والأدب وحسن المذهب، مع قرابة الرحم ووجوب الحق، فلا تدعن حاجة في خاص أمرك ولا عامته إلا ذكرتها، قال: يا أمير المؤمنين! إن أولى الأمور أن تفتتح بها حوائج وترجى بها الزلف ما كان لله عز وجل رضا، ولحق نبيه صلى الله عليه وسلم أداء، ولك فيه ولجماعة المسلمين نصيحة، وإن عندي نصيحة لا أجد بدا من ذكرها ولا يكون البوح بها إلا وأنا خال، فأخلني ترد عليك نصيحتي، قال: دون أبي محمد؟ قال: نعم، قال: قم يا حجاج، فلما جاوز الستر قال: قل يا ابن طلحة نصيحتك، قال: الله أمير المؤمنين أمير المؤمنين، قال: الله، قال: إنك عمدت إلى الحجاج مع تغطرسه وتعترسه، وتعجرفه وبعده عن الحق وركونه إلى الباطل، فوليته الحرمين، وفيهما من فيهما، وبهما من بهما من المهاجرين والأنصار، والموالي المنتسبة الأخيار، أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبناء الصحابة، يسومهم الخسف، ويقودهم بالعسف، ويحكم فيهم بغير السنة، ويطؤهم بطغام أهل الشام، ورعاع لا روية لهم في إقامة حق، ولا إزاحة باطل، ثم ظننت أن ذلك فيما بينك وبين الله ينجيك، وفيما بينك وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم يخلصك إذا جاثاك للخصومة في أمته، أما والله لا تنجو إلا بحجة تقيمن لك النجاة، فأبق على نفسك أو دع، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" فاستوى عبد الملك جالسا وكان متكئا، فقال: كذبت - لعمرو الله - ومنت ولؤمت فيما جئت به، قد ظن بك الحجاج ما لم يجد فيك، وربما ظن الخير بغير أهله، قم فأنت الكاذب المائن الحاسد، قال: فقمت والله ما أبصر طريقا، فلما خلفت الستر لحقني لاحق من قبله، فقال للحاجب: احبس هذا، أدخل أبا محمد للحجاج، فلبثت مليا لا أشك أنهما في أمري، ثم خرج الآذن فقال: قم يا ابن طلحة فادخل، فلما كشف لي الستر لقيني الحجاج وأنا داخل وهو خارج فاعتنقني وقبل ما بين عيني، ثم قال: إذا جزى [ ص: 26 ] الله المتحابين بفضل تواصلهم فجازاك الله أفضل ما جزى به أخا، فوالله لئن سلمت لك لأرفعن ناظرك، ولأعلين كعبك، ولأتبعن الرجال غبار قدمك، قال: فقلت: يهزأ بي، فلما وصلت إلى عبد الملك أدناني حتى أجلسني مجلسي الأول، ثم قال: يا ابن طلحة لعل أحدا من الناس شاركك في نصيحتك; قال: قلت: لا والله، ولا أعلم أحدا كان أظهر عندي معروفا ولا أوضح يدا من الحجاج، ولو كنت محابيا أحدا بديني لكان هو، ولكن آثرت الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه والمسلمين، فقال: قد علمت أنك آثرت الله عز وجل، ولو أردت الدنيا لكان لك بالحجاج أمل، وقد أزلت الحجاج عن الحرمين لما كرهت من ولايته عليهما، وأعلمته أنك استنزلتني له عنهما استصغارا لهما، ووليته العراقين لما هنا من الأمور التي لا يرحضها إلا مثله، وأعلمته أنك استدعيتني إلى التولية له عليهما استزادة له ليلزمه من ذمامك ما يؤدي به عني إليك أجر نصيحتك، فاخرج معه فإنك غير ذام صحبته مع تقريظه إياك ويدك عنده، قال: فخرجت على هذه الجملة.

قال أبو بكر بن أبي الأزهر: يرحضها يعني يغسلها، قال القاضي أبو الفرج: الرحض: الغسل، ومنه سميت الأخلية المراحيض، وجاء في خبر عن عائشة رضي الله عنها، ذكرت فيه الخروج إلى الأقضية للحاجة وذلك قبل أن يتخذ الناس المراحيض، ومن ذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال وقد سئل عن الطبخ في قدور المشركين "أرحضوها بالماء: ومن ذلك الرحضاء في الحمى وذلك حين يعرق صاحبها، كما قيل فيها الثؤباء من التثاؤب، والمطواء من التمطي، والعرواء إذا أعرت، من قولهم عرا يعرو، وقيل لها رحضاء إما لأن العرق مؤذن بانصرافها فكأنه أماطها وغسلها، وإما لأن المحموم إذا عرق شبه بالمغتسل بالماء، وقول عبد الملك لإبراهيم بن طلحة في هذا الخبر: أعلمت الحجاج في موضعين، كلام غير خارج على طريق الصحة والتحقيق، وذلك لأن الإعلام هو إلقاء الشيء الصحيح الذي يقع بمثله العلم للملقى إليه، فأما ما لا حقيقة له فلا يقال أعلمت أحدا به، ولو كان أخبرته مكان أعلمته لكان الكلام مستقيما، لأن المعلم لا يكون إلا محقا، والمخبر قد يكون محقا ومبطلا، ألا ترى أن رجلا لو قال لعبيده: من أعلمني منكم بقدوم زيد فهو حر، فقال له قائل منهم: قد قدم زيد وهو كاذب، لم يعتق، ولو كان قال: من أخبرني مكان من أعلمني لعتق هذا المخبر، وكذلك لو أخبره مخبر بهذا منهم بعد أن يقوم العلم له لم يعتق، لاستحالة إعلام من قد علم، ولو أخبره لعتق لصحة إخبار المخبر بما كان قد أخبر به.

التالي السابق


الخدمات العلمية