حكم الوادي يضطرب أمام 
الوليد  
حدثنا 
المظفر بن يحيى بن أحمد المعروف بابن الشرابي ،  قال : حدثنا 
أبو العباس المرثدي ،  قال : حدثنا 
أبو إسحاق الثلجي ،  قال : أخبرني 
أبي ،  عن 
حكم الوادي ،  قال : 
قال الوليد بن يزيد بن عبد الملك  لجلسائه من المغنيين : إني لأشتهي غناء أطول من أهزاجكم وأقصر من الغناء الطويل ، قالوا جميعا : قد أصبته يا أمير المؤمنين ، بالمدينة  رجل يقال له : مالك بن أبي السمح الطائي  حليف لقريش  وهذا غناؤه ، وهو أحسن الناس خلقا وأحسنهم حديثا ، قال : أرسلوا إليه ، فأرسل إليه فشخص حتى وافاه بالشام  بدمشق . 
قال : فلما دخلنا في وقت النبيذ دخل معنا ، فقال له الوليد :  غنه ، فاندفع يضرب فلم يطاوعه حلقه ولم يصنع قليلا ولا كثيرا ، فقال له الوليد :  قم فاخرج . 
قال : وأقبل علينا يعنفنا ، ويقول : ما تزالون تغروني بالرجل وتزعمون أن عنده بعض ما أشتهيه حتى أدخله وأطلعه على ما لم أكن أحب أن يطلع عليه أحد ، ثم لا أجد عنده ما أريد . فقلنا : يا أمير المؤمنين ! والله ما كذبنا ولكن عسى الرجل قد تغير بعدنا ، قال : ولم نزل به حتى استرسل وطابت نفسه وغنيناه حتى نام ، ثم انصرفنا فجعلنا طريقنا على مالك ، فافترينا عليه وكدنا نتناوله ، قال : فقال : ويحكم ! دخلتني له هيبة منعتني من الغناء ومن الكلام لو أردته ، فأعيدوني إليه فإني أرجو أن يرجع إلي حلقي وغنائي . 
قال : فكلمنا 
الوليد  فدعا به ، فكان في الثانية أسوأ حالا منه في الأولى فصاح به أيضا فخرج ، وفعلنا كفعلنا ، قال : فقال : أعيدوني إليه فامرأته طالق وما يملك في سبيل الله إن لم أستنزله عن سريره إن هو أنصفني ، قال : فجئنا إلى 
الوليد ،  قال : فأخبرناه ، قال : فقال : وعلي مثل يمينه إن هو لم يستنزلني أن أنفذ فيه ما حلف به فهو أعلم . 
قال : فأتيناه فأخبرناه بمقالة 
الوليد  ويمينه ، قال : قد قبلت ، قال : فحضرنا معه دارا نكون فيها إلى أن يدعي بنا ، فمر به صاحب الشراب فأعطاه دينارا على أن يأتيه بقدح حبشاني مملوء شرابا من شراب 
الوليد ،  فأتاه بقح ثم بقدح ثم بقدح ، بثلاثة أقداح ، فأعطاه ثلاثة دنانير ثم أدخلناه عليه ، فقال له 
الوليد :  هات ، فقال : لا ، والله أوترجع إلي نفسي وأضطرب وأرى للغناء موضعا ، قال : فذاك لك ، قال : فاشرب يا أمير المؤمنين ، قال : فشرب وجعل يشرب ويغني المغنون ، حتى إذا ثمل 
الوليد  وثمل هو سل صوتا فأحسن وجاء بما يغرب ، فطربنا وطرب 
الوليد  وتحرك ، وقال : اسقني يا غلام فسقي  
[ ص: 342 ] وتغنى 
مالك  صوتا آخر فجاء بالعجب ، فقال له 
الوليد :  أحسنت أحسنت أحسن الله إليك ، فقال : الأرض الأرض يا أمير المؤمنين ، قال : ذاك له ونزل فحياه وأحسن إليه ، ولم يزل معه ، حتى قتل 
الوليد .