صفحة جزء
المجلس الخمسون

لا نستعمل على عملنا من طلبه

حدثنا أحمد بن محمد بن المغلس ، قال : حدثنا حماد بن الحسن ، حدثنا عبد العزيز بن الخطاب ، حدثنا مندل ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الله بن أبي بردة ، عن أبيه .

قال : قال أبو موسى : " دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعي رجل ، فقال : استعملني ، فقال : إنا لا نستعمل على عملنا من طلبه ولا من حرص عليه " .

شرح السبب في ذلك

قال القاضي : تأملوا رحمنا الله وإياكم ، ما ورد به هذا الخبر عن نبينا صلى الله عليه وسلم من إخباره أنه لا يستعمل على الناس من طلب العمل عليهم ، ولا من حرص على ولاية أمورهم ، لأن من سأل هذا وحرص عليه لم يؤمن زيغه عن العدل في من يلي عليه ، ومحاباته لمن يواليه ، وشفاء غيظه ممن يعاديه ، والاستطالة بما بسط فيه على من بسط عليه ، فيجور في حكمه ، ويستعين بسلطانه على ظلمه ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم فيمن سأل القضاء ، واستعان عليه بالشفعاء ، ما روي من أن الله وكله إلى نفسه .

[ ص: 368 ] وروي عن عبد الرحمن بن سمرة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال له : " يا عبد الرحمن ! لا تسل الإمارة ، فإنك إن أوتيتها عن غير مسألة أعنت عليها ، وإن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها " .

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا يحرصن أحد على الإمارة فيعزل " .

وقد كان سلفاؤنا من علماء المسلمين ينأون عن الولايات ويمتنعون من ملابستها والدخول فيها ، ويجانبون أهلها مع دعائهم إليها وإكراههم عليها ، حتى إن منهم من يتهيب الفتيا في الدين ، ويكل مستفتيه إلى غيره من المفتين ، ولو ذكرنا ما روي في تفصيل هذه الجملة لأطلنا القول والوصف ، وملأنا الأجلاد والصحف ، وقد مضى في بعض ما تقدم من مجالس كتابنا هذا من ذلك طرف ، ولعلنا نأتي بكثير من هذا الباب في المؤتنف ، وبالله نستعين ، وإلى الله المشتكى مما يراد في زماننا هذا ، من تقليد السفلة والجهال السخفاء الضلال للأحكام ، وإجلاسهم مجالس الأئمة الأعلام ، مع عظيم جهالتهم ، وسقوط عدالتهم ، وفساد أمانتهم ، وقبح الظاهر والباطن من أمرهم ، والله ولي الانتقام ممن يطوي في هذا الباب بصحة الإمام ، ويسعى لما يساق إليه من الأحكام ، في هدم شريعة الإسلام ، ونستعين الله على تمكيننا من إيضاح هذا الأمر ، وإنهائه إلى من إليه الأمر ، ساسة الأمة ، ومدبري الملة ، حتى تنكشف له نصيحة المحقين ، وفضيلة المحققين ، ويظهر له تمويه الممخرقين ، وما تنحوه ولبسوه ، وتبجحوا فيه ودنسوه ، ويوفقه الله جل جلاله لتأمله حق تأمله ، والإصغاء إليه وتقبله ، ويبسط فيه لسانه ويده ، ويعلي فيه أمره ونهيه ، فينزل كل ذي منزلة منزلته ، ويقف كل امرئ عند انتهاء قدره ، اللهم فبك نستعين ، وأنت خير معين ، وأنت أرضى بما نحبه ، وأكره لما نكرهه ، وأقدر على نصرة الحق وأهله ، ومحق الباطل وحزبه .

التالي السابق


الخدمات العلمية