صفحة جزء
المجلس الثامن

حديث خرافة

حدثنا عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري، قال: حدثنا أبو الأزهر، قال: حدثنا أبو النضر، قال: حدثنا أبو عقيل، قال: حدثنا مجالد بن سعيد، عن عامر، عن مسروق، أن عائشة رضي الله عنها، قالت: حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة نساءه حديثا، فقالت إحداهن: يا رسول الله! هذا حديث خرافة، قال: "أتدرين ما خرافة؟ إن خرافة كان رجلا من عذرة، أسرته الجن فمكث فيهم دهرا ثم ردوه إلى الإنس، فكان يحدث الناس بما رأى فيهم من الأعاجيب، فقال الناس: حديث خرافة".

[ ص: 50 ] رواية أخرى للحديث

حدثنا عبد الغافر بن سلامة بن أحمد بن أزهر الحضرمي الحمصي، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن عرعرة، قال: حدثنا عاصم بن علي، وحدثنا محمد بن عمر بن حفص الدربندي، قال: حدثنا عثمان بن معاوية البصري، عن عبد الله بن عثمان صاحب شعبة، عن ثابت، عن أنس، قال: اجتمع على النبي صلى الله عليه وسلم نساؤه يوما فجعل يقول الكلمة كما يقول الرجل عند أهله، قال: فقالت إحداهن: كأن هذا حديث خرافة، فقال: تدرين ما حديث خرافة؟ وذكر الحديث.

التعليق على الخبر

قال القاضي: عوام الناس يرون أن قول القائل: هذه خرافة، إنما معناه أنها حديث لا حقيقة له، وأنه مما يجري في السمر للتأنس به، وينتظم من الأعاجيب وطرف الأخبار ما يرتاح إليه ويتمتع أهل الأندية بالإضافة فيه، ويقطعون أوقات ندامهم بتداوله، وأنه أو معظمه لا أصل له، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أصدق في كل ما يخبر عنه وأعلم بحقيقة الأمر فيه، وأولى من رجع إلى قوله وأخذ به، والغي ما خالفه، فأما ما وصفنا من مذهب العامة فيه، فإن الحديث مضاف إلى الجنس الذي هو جزء منه، وبعض من جملته ومميز له من كل حديث ليس بحديث خرافة، كقولهم هذا ثوب خز وخاتم فضة وباب حديد، واشتقاقه على هذا القول من قولهم: اخترف فلان من بستانه هذه الثمرة، وقولهم: هذه خرفة فلان، يشار به إلى شيء من الفاكهة، ومنه سمي الربيع الأول من السنة خريفا لأن جل الفواكه تخترف فيه، وجاء في الخبر: أن عائد المريض في مخرفة الجنة إشارة إلى ما يرجى له من النعيم وثواب الملك الكريم. فقال أصحاب هذا المذهب: إن المجتمعين على هذه الأحاديث المعجبة الملذة المطرفة بمنزلة المجتمعين على ما يخترف من الفاكهة التي ينالون من قبلها المتعة السارة لهم الفائضة عليهم، ويتوهم هؤلاء أن مختلق الباطل ومفتعل الكذب بمنزلة من أتى شيئا أو اخترفه في أنه قد ظفر بما يلهيه ويمتعه، وإن كان على ما وصف في أصله، ويقولون لما لا يحققون صحته من الأخبار: هذه خرافة، وهذا حديث خرافة، وقال بعض مجان الشعراء عجز بيت له حكايته:

التالي السابق


الخدمات العلمية