صفحة جزء
مجاهد تلفظه الأرض

حدثنا محمد بن الحسن بن دريد ، قال : حدثنا العكلي ، قال : أخبرني رجل من أهل البصرة ، قال : رأيت رجلا له هيئة وسمت وعليه الصوف ، فسألته عن اسمه ، فقال : اسمي علي بن محمد فجلست إليه فحدثته فخبرني أنه مضى إلى المصيصة غازيا ، فرأى في مسجدها شيخا جميلا هيبا ، وحوله قوم يسمعون من حديثه ، قال : فجلست إليه فسألني عن حالتي ، فقلت : رجل من أهل العراق قدمت أريد وجه الله تعالى والدار الآخرة ، فقال : رزقك الله حياة طيبة ومنقلبا كريما ، ثم قال لي : إن لي إليك حاجة لا تردني عنها ، قلت : نعم ، قال : تتحول إلي وتنزل علي فما كان إلا ساعة ، ثم نزلت برجل قد وهب الله له قوة [ ص: 406 ] على الصيام والقيام وطلب الخير ، فأقمت عنده حتى تهيأ لصاحب الثغر الغزو ، وخف معه عشرة آلاف من المطوعة ، فقدم ابنه وكان حدثا ، وكان رب منزلي فيمن خرج فخرجت بخروجه ، فلما أوغلنا في بلاد العدو دلف إلينا جمع عظيم فوقفنا لهم وأقبل الفتى يحرض الناس ثم برز الشيخ فتكلم ، وقال : هذه أبواب الجنة فافتحوها بسيوفكم ، فحمل الفتى فأصيب ، وحمل الشيخ رب منزلي فأصيب رحمهما الله ، ثم إن الله تعالى منحنا أكتاف العدو فقتلنا وأسرنا ورجعنا إلى مواضعنا ، فحفرنا لمن أكرمهم الله بالشهادة فدفناهم ، ودفنا الشيخ ، وسوينا عليه لحده ، فارتجت الأرض ورجفت بنا ، ثم لفظت الشيخ فوقع على عشرة أذرع من قبره ، فقلنا : رجفة أو زلزلة ، فحفرنا له قبرا آخر وسوينا عليه ، فسمعنا ما هو أهول وأفظع ، ولفظت به الأرض أبعد من ذلك الموضع ، فحفرنا له قبرا ثالثا ودفناه ، فجاءت هدة طاشت منها عقولنا ولفظته الأرض ، وسمعنا هاتفا يقول : أيتها العصابة ! إن هذا الرجل لم يزل يدعو الله أن يجعل محشره من بطون السباع وحواصل الطير ، فدعوه إن الله جل جلاله قد سمع نداه ، فتركناه وانصرفنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية