صفحة جزء
تفسير ما تقدم

قال أبو عبيدة : قوله : بلغ السيل الزبى فإنها زبى الأسد التي تحفر له ، وإنما جعلت مثلا في بلوغ السيل إليها لأنها إنما تجعل في الروابي من الأرض ، ولا تكون في المنحدر ، وليس يبلغها إلا سيل عظيم .

قال القاضي أبو الفرج رحمه الله : وقوله : وجاوز الحزام الطبيين يعني قد اضطرب من شدة السير حتى خلف الطبيين من اضطرابه ، يضرب هذا المثل للأمر الفظيع الفادح الجليل : وأما قوله :


فإن كنت مأكولا فكن خير آكل وإلا فأدركني ولما أمزق

فإن هذا بيت تمثل به لشاعر من عبد القيس جاهلي يقال له الممزق ، وإنما سمي ممزقا لبيته هذا ، وقال الفراء الممزق .

قال القاضي أبو الفرج : ومن الزبية التي هي مصيدة الأسد قول الطرماح بن حكيم :


يا طيء السهل والأجبال موعدكم     كمبتغى الصيد أعلى زبية الأسد

وقال الراجز :

[ ص: 449 ]

قد كنت في الأمر الذي قد كيدا     كاللذ تزبى زبية فاصطيدا

اللذ : لغة في الذي . ومن العرب من يقول اللذ بكسر الذال من غير إثبات ياء كما قال الشاعر :


واللذ لو يكنى لكانت برا     أو جبلا أشم مشمخرا

ويقال من هذه اللغة يعني الذ مسكنة الذال ، في المؤنث اللت ، قال الشاعر :


فقل للت تلومك إن نفسي     أراها لا تعلل بالنمير

والزبية على ما بينا لا تتخذ إلا في قلة رابية أو رأس قلعة أو هضبة ، قال العجاج : وقد علا السيل الزبى فلا غير أي جل الأمر عن التلافي والإصلاح للتغيير ، وقيل إن الغير هاهنا الديات ، والمعنى لكثرة القتل . ومن الغير بمعنى الديات قول هدبة بن الخشرم :


لنجدعن أنوفا من أنوفكم     بني أمية أن لا تقبلوا الغيرا

والعرب تقول في شدة الأمر وتفاقمه واستشراء الشر وتعاظمه : قد علا الماء الزبى ، وانقد في البطن السلى ، وبرح الخفا ، وحلت الحبا ، وبلغ السكين العظيم ، والتقت حلقتا البطان ، وهو مضارع لقولهم : بلغ الحزام الطبيين ، قال أوس بن حجر :


وازدحمت حلقتا البطان بأق     وام وطارت نفوسهم جزعا

ومن أفصح ما أتى في هذا المعنى ما جاء القرآن به وذلك قوله عز وجل : والتفت الساق بالساق وقال الشاعر :

وقامت الحرب بنا على ساق

والطبيان تثنية طبي وجمعه أطباء ، ويقولون : التقت حلقتا البطان والحقب ، ومنه :

اشدد بمثنى حقب حقواها

ويقال حقب البعير إذا صار الحزام في الحقب ، قال الشاعر :


إذا ما حقب جال     شددناه بتصدير

والأطباء موضع الثدي من السباع ، ويقال لذلك الموضع من ذوات الخف والظلف أخلاف والواحد خلف ، قال ابن عبدل :


وأحلب الثرة الصفي ولا     أجهد أخلاف غيرها حلبا

التالي السابق


الخدمات العلمية