صفحة جزء
بين الحسن بن علي وزياد

حدثنا أحمد بن الحسن بن الكلبي قال حدثنا محمد بن زكرياء قال حدثنا عبد الله بن الضحاك قال حدثنا هشام بن محمد عن أبيه قال : كان سعيد بن سرح مولى حبيب بن عبد شمس شيعة لعلي بن أبي طالب عليه السلام ، فلما قدم زياد الكوفة واليا عليها أخافه وطلبه زياد ، فأتى الحسن بهن علي ، فوثب زياد على أخيه وولده وامرأته فأخذهم وحبسهم وأخذ ماله وهدم داره ، فكتب الحسن إلى زياد : من الحسن بن علي إلى زياد أما بعد فإنك [ ص: 495 ] عمدت إلى رجل من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم فهدمت داره وأخذت ماله وعياله فحبستهم ، فإذا أتاك كتابي هذا فابن له داره واردد عليه عياله وماله ، فإني قد أجرته فشفعني فيه . فكتب إليه زياد : منزياد بن أبي سفيان إلى الحسن بن فاطمة : أما بعد فقد أتاني كتابك تبدأ فيه بنفسك قبلي ، وأنت طالب حاجة ، وأنا سلطان وأنت سوقة ، كتبت إلي في فاسق لا يؤويه إلا مثله ، وشر من ذلك توليه أباك وإياك ، وقد علمت أنك قد أويته إقامة منك على سوء الرأي ورضى منك بذلك ، وايم الله لا تسبقني به ، ولو كان بين جلدك ولحمك وإن نلت بعضك غير رفيق بك ولا مرع عليك ، فإن أحب لحم إلي آكله للحم الذي أنت منه ، فأسلمه بجريرته إلى من هو أولى به منك ، فإن عفوت عنه لم أكن شفعتك فيه ، وإن قتلته لم أقتله إلا لحبه إياك .

فلما قرأ الحسن عليه السلام الكتاب تبسم وكتب إلى معاوية يذكر له حال ابن سرح وكتابه إلى زياد فيه وإجابة زياد إياه ، ولف كتابه في كتابه وبعث به إلى معاوية . وكتب الحسن إلى زياد : من الحسن بن فاطمة عليهما السلام إلى زياد بن سمية : الولد للفراش وللعاهر الحجر . فلما وصل كتاب الحسن إلى معاوية وقرأ معاوية الكتاب ضاقت به الشام ، وكتب إلى زياد : أما بعد فإن الحسن بن علي بعث بكتابك إلى جواب كتابه إليك في ابن سرح ، فأكثرت التعجب منك ، وعلمت أن لك رأيين : أحدهما من أبي سفيان والآخر من سمية ، فأما الذي من أبي سفيان فحلم وحزم . وأما رأيك من سمية فما يكون رأي مثلها؟ ومن ذلك كتابك إلى الحسن تشتم أباه وتعرض له بالفسق ، ولعمري لأنت أولى بالفسق من الحسن ، ولأبوك إذ كنت تنسب إلى عبيد أولى بالفسق من أبيه ، وإن الحسن بدأ بنفسه ارتفاعا عليك وإن ذلك لم يضعك .

وأما تركك تشفيعه فيما شفع فيه إليك فحظ دفعته عن نفسك إلى من هو أولى به منك ، فإذا قدم عليك كتابي هذا فخل ما في يديك لسعيد بن سرح ، وابن له داره ، ولا تعرض له ، واردد عليه ماله ، فقد كتبت إلى الحسن أن يخير صاحبه إن شاء أقام عنده ، وإن شاء رجع إلى بلده ، وليس لك عليه سلطان بيد ولا لسان . وأما كتابك إلى الحسن باسمه ولا تنسبه إلى أبيه فإن الحسن ويلك ممن لا يرمى به الرجوان ، أفإلى أمه وكلته لا أم لك ، هي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أفخر له إن كنت تعقل؛ وكتب في أسفل الكتاب :


تدارك ما ضيعت من بعد جرأة وأنت أريب بالأمور خبير     أما حسن بابن الذي كان قبله
إذا سار سار الموت حيث يسير     وهل يلد الرئبال إلا نظيره
فذا حسن شبه له ونظير

قال القاضي : الرئبال ولد الأسد .


ولكنه لو يوزن الحلم الحجى     برأي لقالوا فاعلمن ثبير

[ ص: 496 ] قال الغلابي : قرأت هذا الخبر على ابن عائشة فقال : كتب إليه معاوية حين وصل إليه كتاب الحسن في أول الكتاب الشعر والكلام بعده .

تعليقات لغوية ونحوية

قال القاضي : قول معاوية : من لا يرمى به الرجوان يعني تثنية الرجا وهو الجانب والناحية جمعه أرجاء ، قال الله عز وجل : والملك على أرجائها والعرب تقول : فلان لا يرمى به الرجوان أي لا يستهان به وتستضعف منزلته فيطرح به ويرمى به ، كما قال الشاعر :


فلا يرمى بي الرجوان أني     أقل القوم من يغني مكاني

وأما قوله : تدارك ما ضيعت فإنه حرك الكاف في الأمر لأنه أراد النون الخفيفة ، كما قال الشاعر :


اضرب عنك الهموم طارقها     ضربك بالسيف قونس الفرس

أراد : اضربن؛ والله تعالى الموفق للصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية