صفحة جزء
المجلس الخامس والثمانون

الرسول يتجر لخديجة

حدثنا القاضي أبو الفرج المعافى بن زكريا بن يحيى الجريري إملاء من لفظه قال: حدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا محمد بن زكريا قال: حدثنا شعيب بن واقد قال: حدثنا الحسين بن زيد عن عبد الله بن حسن بن حسن عن أمه فاطمة بنت الحسين عن عمتها زينب عن عبد الله بن جعفر قال: كان أبو طالب قد تبنى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إن أبا طالب أملق وخف ما بيده، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا محمد إن خديجة توجه غلامها ميسرة في تجارة إلى الشام، فأكلمها لك فتخرج معه، قال: افعل يا عم، فجاء معه إلى خديجة فكلمها، فكانت تعطي كل رجل بعيرا، فخرج مع ميسرة، فأصاب ميسرة ضعفي ما كان يصيب من الربح، ثم قدما، ووقع حبه في قلب ميسرة، فلما قربوا من مكة قال له ميسرة: يا محمد إن خديجة تعطي كل أجير بعيرا إذا ذهب إليها يبشرها بقدومنا، فاذهب فإنها ستعطيك بعيرين، ففعل. وكانت خديجة قد قدرت قدومهم فجلست في مشربة لها ومعها نسوة من قريش ينتظرن قدومهم، إذ نظرت فإذا رجل على بعير مقبل على رأسه سحابة تظله من الشمس تسير معه، فجعلت تنظر إليه، وقالت للنسوة: هل تنظرن ما أنظر؟ قلن: نرى رجلا مقبلا على بعير، قالت: فما ترين على رأسه؟ قلن: ما نرى شيئا، فوقع في قلبها أنه شيء خصت به، فلما قرب منها تبينته ثم نزلت، فاستأذن عليها فأخبرها بكثرة ربحهم، فقالت: يا محمد إني كنت أعطي كل أجير بعيرا وقد أعطيتك بعيرين بحمليهما فاذهب بهما إلى منزلك، ففعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أتاها وقد دخل ميسرة فسألته عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما رأيت مثله أحسن صحبة ولا أعظم بركة، ما مددنا أيدينا إلى شيء إلا نلناه، فوقع في [ ص: 638 ] قلبها. ثم خلت برسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا محمد: يا محمد أما لك أرب في النساء؟ قال: بلى، ولكن ليس لي مال، قالت: فهل لك أن تزوج بي؟ قال: وتفعلين؟ قالت: نعم، قال: أستأذن عمي، قالت: فاستأذنه، قال: فجاء إلى عمه فأخبره فقال: يا محمد إن خديجة أيم قريش وأكثرهم مالا، وأنت يتيم قريش ولا مال لك، ولكنها قالت لك هذا على العبث، فقال: ما قلت لك إلا ما قالت لي، قال: إنك لصادق.

ثم إن أبا طالب بعث امرأة من أهله إلى منزل خديجة ليعلم ذلك، فذهبت ثم أتته فقالت: يا أبا طالب ما تعثر بشيء إلا قالت: لا شقيت يا محمد، وما تعجب من شيء إلا قالت: لا شقيت يا محمد ، فمضى معه أبو طالب وحمزة والعباس ومن حضر من عمومته حتى أتى أباها فاستأذن عليه، فأذن له وتنحى له عن مجلسه، قال أبو طالب : أنت أولى بمجلسك، قال: ما كنت لأجلس إلا بين يديك، قال: فيم قصدت؟ قال: في حاجة لمحمد ، قال: لو سألني محمد أن أزوجه خديجة لفعلت فما أحد أعز علي منها، قال: فما جئناك إلا لنخطبك خديجة على محمد ، قال: فتكلم، فقال: إن محمدا هو الفحل لا يقرع أنفه، ثم تكلم أبو طالب فخطب، فأخذ بعضادتي الباب ومن شاهده من قريش حضور، ثم قال: الحمد لله الذي جعلنا من زرع إبراهيم وذرية إسماعيل ، وجعل لنا بيتا معمورا وحرما آمنا تجبى إليه ثمرات كل شيء، وجعلنا الحكام على الناس في مولدنا الذي نحن فيه، ثم إن ابن أخي محمد بن عبد الله بن عبد المطلب لا يوزن برجل من قريش إلا رجح به، ولا يقاس بأحد منهم إلا عظم عنه، وإن كان في المال قلة فإن المال رزق جاء وظل زائل، وله في خديجة رغبة ولها فيه رغبة، والصداق ما سألتم، عاجله وآجله من مالي، وله خطر عظيم وشأن شائع جسيم. فزوجه ودخل بها من الغد، فأول ما حملت ولدت عبد الله بن محمد صلى الله عليهم أجمعين.


التالي السابق


الخدمات العلمية