وقوله:
ولا أن تبدل بهن من أزواج أن) في موضع رفع كقولك: لا يحل لك النساء والاستبدال بهن. وقد اجتمعت القراء على
لا يحل بالياء. وذلك أن المعنى: لا يحل لك شيء من النساء، فلذلك اختير تذكير الفعل. ولو كان المعنى للنساء جميعا لكان التأنيث أجود في العربية. والتاء جائزة لظهور النساء بغير من.
وقوله:
يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه فغير منصوبة لأنها نعت للقوم، وهم معرفة و (غير) نكرة فنصبت على الفعل
[ ص: 347 ] كقوله
أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلي الصيد ولو خفضت
غير ناظرين كان صوابا لأن قبلها
طعام وهو نكرة، فتجعل فعلهم تابعا للطعام لرجوع ذكر الطعام في
إناه كما تقول العرب: رأيت زيدا مع امرأة محسن إليها، ومحسنا إليها. فمن قال: (محسنا) جعله من صفة زيد، ومن خفضه فكأنه قال: رأيت زيدا مع التي يحسن إليها. فإذا صارت الصلة للنكرة أتبعتها، وإن كان فعلا لغيرها. وقد قال
الأعشى: فقلت له هذه هاتها فجاء بأدماء مقتادها
فجعل المقتاد تابعا لإعراب الأدماء لأنه بمنزلة قولك: دماء يقتادها فخفضته لأنه صلة لها.
وقد ينشد بأدماء مقتادها تخفض الأدماء لإضافتها إلى المقتاد. ومعناه: بملء يدي من اقتادها ومثله في العربية أن تقول: إذا دعوت زيدا فقد استغثت بزيد مستغيثه. فمعنى زيد مدح أي أنه كافي مستغيثه.
ولا يجوز أن تخفض على مثل قولك: مررت على رجل حسن وجهه لأن هذا لا يصلح حتى تسقط راجع ذكر الأول فتقول: حسن الوجه. وخطأ أن تقول: مررت على امرأة حسنة وجهها وحسنة الوجه صواب.
وقوله:
ولا مستأنسين في موضع خفض تتبعه الناظرين كما تقول: كنت غير قائم ولا قاعد وكقولك للوصي: كل من مال اليتيم بالمعروف غير متأثل مالا، ولا واق مالك بماله.
ولو جعلت المستأنسين في موضع نصب تتوهم أن تتبعه بغير لما أن حلت بينهما بكلام. وكذلك كل معنى احتمل وجهين ثم فرقت بينهما بكلام جاز أن يكون الآخر معربا بخلاف الأول. من ذلك قولك: ما أنت بمحسن إلى من أحسن إليك ولا مجملا، تنصب المجمل وتخفضه: الخفض على
[ ص: 348 ] إتباعه المحسن والنصب أن تتوهم أنك قلت: ما أنت محسنا. وأنشدني بعض العرب:
ولست بذي نيرب في الصديق ومناع خير وسبابها
ولا من إذا كان في جانب أضاع العشيرة واغتابها
وأنشدني أبو القمقام:
أجدك لست الدهر رائي رامة ولا عاقل إلا وأنت جنيب
ولا مصعد في المصعدين لمنعج ولا هابطا ما عشت هضب شطيب
وينشد هذا البيت:
معاوي إننا بشر فأسجح فلسنا بالجبال ولا الحديدا
وينشد (الحديدا) خفضا ونصبا. وأكثر ما سمعته بالخفض. ويكون نصب المستأنسين على فعل مضمر، كأنه قال: فادخلوا غير مستأنسين. ويكون مع الواو ضمير دخول كما تقول: قم ومطيعا لأبيك.
والمعنى في تفسير الآية أن المسلمين كانوا يدخلون على النبي عليه السلام في وقت الغداء، فإذا طعموا أطالوا الجلوس، وسألوا أزواجه الحوائج. فاشتد ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم، حتى
[ ص: 349 ] أنزل الله هذه الآية، فتكلم في ذلك بعض الناس، وقال: أننهى أن ندخل على بنات عمنا إلا بإذن، أو من وراء حجاب. لئن مات
محمد لأتزوجن بعضهن. فقام الآباء
أبو بكر وذووه، فقالوا:
يا رسول الله، ونحن أيضا لا ندخل عليهن إلا بإذن، ولا نسألهن الحوائج إلا من وراء حجاب، فأنزل الله
لا جناح عليهن في آبائهن إلى آخر الآية. وأنزل في التزويج
وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا
وقوله:
والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا نزلت في أهل الفسق والفجور، وكانوا يتبعون الإماء
بالمدينة فيفجرون بهن، فكان المسلمون في الأخبية لم يبنوا ولم يستقروا. وكانت المرأة من نساء المسلمين تتبرز للحاجة، فيعرض لها بعض الفجار يرى أنها أمة، فتصيح به، فيذهب. وكان الزي واحدا فأمر النبي عليه السلام
قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين والجلباب: الرداء.
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17300أبو العباس قال حدثنا
محمد قال: حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء، قال حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=22721يحيى بن المهلب أبو كدينة عن
ابن عون عن
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين في قوله:
يدنين عليهن من جلابيبهن
هكذا: قال تغطي إحدى عينيها وجبهتها والشق الآخر، إلا العين.