وقوله:
أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب
ثم قال بعد ذلك
وأصابه الكبر ، ثم قال
فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت فيقول القائل: فهل يجوز في الكلام أن يقول: أتود أن تصيب مالا فضاع، والمعنى: فيضيع؟ قلت: نعم ذلك جائز في وددت؛ لأن العرب تلقاها مرة بـ (أن) ومرة بـ (لو) فيقولون: لوددت لو ذهبت عنا، [و] وددت أن تذهب عنا، فلما صلحت بلو وبأن ومعناهما جميعا الاستقبال استجازوا أن يردوا فعل بتأويل لو، على يفعل مع أن؛ فلذلك قال: فأصابها، وهي في مذهبه بمنزلة لو؛ إذ ضارعت إن بمعنى الجزاء فوضعت في مواضعها، وأجيبت إن بجواب لو، ولو بجواب إن، قال الله تبارك وتعالى:
ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم والمعنى -والله أعلم-: وإن أعجبتكم، ثم قال:
ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون فأجيبت لئن بإجابة لو ومعناهما مستقبل. ولذلك قال في قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي "ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلوا" رده على تأويل: ودوا أن تفعلوا. فإذا رفعت (فيميلون) رددت على تأويل لو كما قال الله تبارك وتعالى
ودوا لو تدهن فيدهنون وقال أيضا
وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم وربما جمعت العرب بينهما جميعا قال الله تبارك وتعالى:
وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا وهو مثل جمع العرب بين ما وإن وهما جحد، قال الشاعر:
[ ص: 176 ] قد يكسب المال الهدان الجافي بغير لا عصف ولا اصطراف
وقال آخر:
ما إن رأينا مثلهن لمعشر سود الرءوس فوالج وفيول
وذلك لاختلاف اللفظين يجعل أحدهما لغوا. ومثله قول الشاعر:
من النفر اللاء الذين إذا هم تهاب اللئام حلقة الباب قعقعوا
ألا ترى أنه قال: اللاء الذين، ومعناهما الذين، استجيز جمعهما لاختلاف لفظهما، ولو اتفقا لم يجز. لا يجوز ما ما قام زيد، ولا مررت بالذين الذين يطوفون. وأما قول الشاعر:
كما ما امرؤ في معشر غير رهطه ضعيف الكلام شخصه متضائل
فإنما استجازوا الجمع بين ما وبين [ما] ؛ لأن الأولى وصلت بالكاف، - كأنها كانت هي والكاف اسما واحدا- ولم توصل الثانية، واستحسن الجمع بينهما. وهو في قول الله
كلا لا وزر كانت لا موصولة، وجاءت الأخرى مفردة فحسن اقترانهما. فإذا قال القائل: (ما ما قلت بحسن) جاز ذلك على غير عيب؛ لأنه
[ ص: 177 ] يجعل ما الأولى جحدا والثانية في مذهب الذي. [وكذلك لو قال: من من عندك؟ جاز؛ لأنه جعل من الأول استفهاما، والثاني على مذهب الذي] . فإذا اختلف معنى الحرفين جاز الجمع بينهما.
وأما قول الشاعر:
كم نعمة كانت لها كم كم وكم
إنما هذا تكرير حرف، لو وقعت على الأول أجزأك من الثاني. وهو كقولك للرجل: نعم نعم، تكررها، أو قولك: اعجل اعجل، تشديدا للمعنى. وليس هذا من البابين الأولين في شيء. وقال الشاعر:
هلا سألت جموع كن دة يوم ولوا أين أينا
وأما قوله: (لم أره منذ يوم يوم) فإنه ينوى بالثاني غير اليوم الأول، إنما هو في المعنى: لم أره منذ يوم تعلم. وأما قوله:
نحمي حقيقتنا وبع ض القوم يسقط بين بينا
فإنه أراد: يسقط هو لا بين هؤلاء ولا بين هؤلاء. فكان اجتماعهما في هذا الموضع بمنزلة قولهم: هو جاري بيت بيت، ولقيته كفة كفة؛ لأن الكفتين واحدة منك وواحدة منه. وكذلك هو جاري بيت بيت معناه: بيتي وبيته لصيقان.
[ ص: 178 ] قال: كيف قال.