وقوله: 
أتتخذنا هزوا قال 
وهذا في القرآن كثير بغير الفاء؛ وذلك لأنه جواب يستغني أوله عن آخره بالوقفة عليه، فيقال: ماذا قال لك؟ فيقول القائل: قال كذا وكذا فكأن حسن  
[ ص: 44 ] السكوت يجوز به طرح الفاء. وأنت تراه في رءوس الآيات-؛ لأنها فصول- حسنا من ذلك: 
قال فما خطبكم أيها المرسلون قالوا إنا أرسلنا والفاء حسنة مثل قوله: 
فقال الملأ الذين كفروا ولو كان على كلمة واحدة لم تسقط العرب منه الفاء. من ذلك: قمت ففعلت، لا يقولون: قمت فعلت، ولا قلت قال، حتى يقولوا: قلت فقال، وقمت فقام؛ لأنها نسق وليست باستفهام يوقف عليه، ألا ترى أنه: 
قال فرعون  لمن حوله ألا تستمعون قال ربكم ورب آبائكم الأولين فيما لا أحصيه. ومثله من غير الفعل كثير في كتاب الله بالواو وبغير الواو، فأما الذي بالواو فقوله: 
قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم ثم قال بعد ذلك: 
الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار  . وقال في موضع آخر: 
التائبون العابدون الحامدون وقال في غير هذا: 
إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم قال في الآية بعدها: 
إن الذين آمنوا ولم يقل: وإن؛ فاعرف بما جرى تفسير ما بقي، فإنه لا يأتي إلا على الذي أنبأتك به من الفصول أو الكلام المكتفي يأتي له جواب. وأنشدني بعض العرب: 
لما رأيت نبطا أنصارا 
شمرت عن ركبتي الإزارا     كنت لها من النصارى جارا