صفحة جزء
وقوله: ما جئتم به السحر (ما) في موضع الذي كما تقول: ما جئت به باطل. وهي في قراءة عبد الله (ما جئتم به سحر) وإنما قال (السحر) بالألف واللام لأنه جواب لكلام قد سبق ألا ترى أنهم قالوا لما جاءهم به موسى: أهذا سحر؟ فقال: بل ما جئتم به السحر. وكل حرف ذكره متكلم نكرة فرددت عليها لفظها في جواب المتكلم زدت فيها ألفا ولاما كقول الرجل: قد وجدت درهما، فتقول أنت: فأين الدرهم؟ أو: فأرني الدرهم. ولو قلت: فأرني درهما، كنت كأنك سألته أن يريك غير ما وجده.

وكان مجاهد وأصحابه يقرؤون: ما جئتم به آلسحر: فيستفهم ويرفع السحر من نية الاستفهام، وتكون (ما) في مذهب أي كأنه قال: أي شيء جئتم به؟ آلسحر هو؟ وفي حرف أبي (ما أتيتم به سحر) قال الفراء: وأشك فيه.

وقد يكون (ما جئتم به السحر) تجعل السحر منصوبا كما تقول: ما جئت به الباطل والزور. ثم تجعل (ما) في معنى جزاء و (جئتم) في موضع جزم إذا نصبت، وتضمر الفاء في قوله إن الله سيبطله فيكون جوابا للجزاء. والجزاء لا بد له أن [ ص: 476 ] يجاب بجزم مثله أو بالفاء. فإن كان ما بعد الفاء حرفا من حروف الاستئناف وكان يرفع أو ينصب أو يجزم صلح فيه إضمار الفاء. وإن كان فعلا أوله الياء أو التاء أو كان على جهة فعل أو فعلوا لم يصلح فيه إضمار الفاء لأنه يجزم إذا لم تكن الفاء، ويرفع إذا أدخلت الفاء. وصلح فيما قد جزم قبل أن تكون الفاء لأنها إن دخلت أو لم تدخل فما بعدها جزم كقولك للرجل: إن شئت فقم ألا ترى أن (قم) مجزومة ولو لم يكن فيها الفاء، لأنك إذا قلت إن شئت قم جزمتها بالأمر، فكذلك قول الشاعر :


من يفعل الحسنات الله يشكرها والشر بالشر عند الله مثلان



ألا ترى أن قولك: (الله يشكرها) مرفوع كانت فيه الفاء أو لم تكن، فلذلك صلح ضميرها .

التالي السابق


الخدمات العلمية