صفحة جزء
وأما قوله: إني رأيت أحد عشر كوكبا فإن العرب تجعل العدد ما بين أحد عشر [ ص: 33 ] إلى تسعة عشر منصوبا في خفضه ورفعه. وذلك أنهم جعلوا اسمين معروفين واحدا، فلم يضيفوا الأول إلى الثاني فيخرج من معنى العدد. ولم يرفعوا آخره فيكون بمنزلة بعلبك إذا رفعوا آخرها.

واستجازوا أن يضيفوا (بعل) إلى (بك) لأن هذا لا يعرف فيه الانفصال من ذا، والخمسة تنفرد من العشرة والعشرة من الخمسة، فجعلوهما بإعراب واحد لأن معناهما في الأصل هذه عشرة وخمسة، فلما عدلا عن جهتهما أعطيا إعرابا واحدا في الصرف كما كان إعرابهما واحدا قبل أن يصرفا.

فأما نصب كوكب فإنه خرج مفسرا للنوع من كل عدد ليعرف ما أخبرت عنه. وهو في الكلام بمنزلة قولك: عندي كذا وكذا درهما. خرج الدرهم مفسرا لكذا وكذا لأنها واقعة على كل شيء. فإذا أدخلت في أحد عشر الألف واللام أدخلتهما في أولها فقلت: ما فعلت الخمسة عشر.

ويجوز ما فعلت الخمسة العشر، فأدخلت عليهما الألف واللام مرتين لتوهمهم انفصال ذا من ذا في حال. فإن قلت: الخمسة العشر لم يجز لأن الأول غير الثاني ألا ترى أن قولهم: ما فعلت الخمسة الأثواب لمن أجازه تجد الخمسة هي الأثواب ولا تجد العشر الخمسة. فلذلك لم تصلح إضافته بألف ولام. وإن شئت أدخلت الألف واللام أيضا في الدرهم الذي يخرج مفسرا فتقول: ما فعلت الخمسة العشر الدرهم ؟ وإذا أضفت الخمسة العشر إلى نفسك رفعت الخمسة. فتقول: ما فعلت خمسة عشري؟ ورأيت خمسة عشري، (ومررت بخمسة عشري) وإنما عربت الخمسة لإضافتك العشر، فلما أضيف العشر إلى الياء منك لم يستقم للخمسة أن تضاف إليها وبينهما عشر فأضيفت إلى عشر لتصير اسما، كما صار ما بعدها بالإضافة اسما. سمعتها من أبي فقعس الأسدي [ ص: 34 ] وأبي الهيثم العقيلي: ما فعلت خمسة عشرك؟ ولذلك لا يصلح للمفسر أن يصحبهما لأن إعرابيهما قد اختلفا. ب: اختلف، وإنما يخرج الدرهم والكوكب مفسرا لهما جميعا كما يخرج الدرهم من عشرين مفسرا لكلها. فإذا أضفت العشرين دخلت في الأسماء وبطل عنها التفسير. فخطأ أن تقول:

ما فعلت عشروك درهما، أو خمسة عشرك درهما. ومثله أنك تقول: مررت بضارب زيدا.

فإذا أضفت الضارب إلى غير زيد لم يصلح أن يقع على زيد أبدا.

ولو نويت بخمسة عشر أن تضيف الخمسة إلى عشر في شعر لجاز، فقلت: ما رأيت خمسة عشر قط خيرا منها، لأنك نويت الأسماء ولم تنو العدد. ولا يجوز للمفسر أن يدخل هاهنا كما لم يجز في الإضافة أنشدني العكلي أبو ثروان:


كلف من عنائه وشقوته بنت ثماني عشرة من حجته



ومن القراء من يسكن العين من عشر في هذا النوع كله ، إلا اثنا عشر. وذلك أنهم استثقلوا كثرة الحركات، ووجدوا الألف في (اثنا) والياء في (اثني) ساكنة فكرهوا تسكين العين وإلى جنبها ساكن (ولا يجوز تسكين العين في مؤنث العدد لأن الشين من عشرة يسكن فلا يستقيم تسكين العين والشين معا) .

وأما قوله رأيتهم لي ساجدين فإن هذه النون والواو إنما تكونان في جمع ذكران الجن والإنس وما أشبههم. فيقال: الناس ساجدون، والملائكة والجن ساجدون: فإذا عدوت هذا [ ص: 35 ] صار المؤنث والمذكر إلى التأنيث. فيقال: الكباش قد ذبحن وذبحت ومذبحات. ولا يجوز مذبحون. وإنما جاز في الشمس والقمر والكواكب بالنون والياء لأنهم وصفوا بأفاعيل الآدميين (ألا ترى أن السجود والركوع لا يكون إلا من الآدميين فأخرج فعلهم على فعال الآدميين) ومثله وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا فكأنهم خاطبوا رجالا إذ كلمتهم وكلموها.

وكذلك يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم فما أتاك مواقعا لفعل الآدميين من غيرهم أجريته على هذا.

[قوله] (يا بني) و (يا بني) لغتان، كقولك: يا أبت ويا أبت لأن من نصب أراد الندبة: يا أبتاه فحذفها.

وإذا تركت الهمزة من (الرؤيا) قالوا: الرويا طلبا للهمزة. وإذا كان من شأنهم تحويل الهمزة: قالوا: لا تقصص رياك في الكلام، فأما في القرآن فلا يجوز لمخالفة الكتاب. أنشدني أبو الجراح:


لعرض من الأعراض يمسي حمامه     ويضحي على أفنانه الغين يهتف
أحب إلى قلبي من الديك رية     وباب إذا ما مال للغلق يصرف



أراد: رؤية، فلما ترك الهمز وجاءت واو ساكنة بعدها ياء تحولتا ياء مشددة، كما يقال: لويته ليا وكويته كيا والأصل كويا ولويا. وإن أشرت إلى الضمة قلت: ريا فرفعت الراء فجائز [ ص: 36 ] .

وتكون هذه الضمة مثل قوله (وحيل) (وسيق) وزعم الكسائي أنه سمع أعرابيا يقول (إن كنتم للريا تعبرون) .

التالي السابق


الخدمات العلمية