صفحة جزء
وقوله: قد شغفها حبا أي قد خرق شغاف قلبها وتقرأ (قد شعفها) بالعين وهو من قولك: شعف بها. كأنه ذهب بها كل مذهب. والشعف: رءوس الجبال.

وقوله: وأعتدت لهن متكأ يقال: اتخذت لهن مجلسا. ويقال: إن متكا غير مهموز، فسمعت أنه الأترج. وحدثني شيخ من ثقات أهل البصرة أنه قال: الزماورد .

وقوله: وقطعن أيديهن يقول: وخدشنها ولم يبن أيديهن، من إعظامه، وذلك قوله:

حاش لله أعظمنه أن يكون بشرا، وقلن: هذا ملك. وفي قراءة عبد الله (حاشا لله) بالألف، وهو في معنى معاذ الله.

وقوله: ما هذا بشرا نصبت (بشرا) لأن الباء قد استعملت فيه فلا يكاد أهل الحجاز ينطقون إلا بالباء، فلما حذفوها أحبوا أن يكون لها أثر فيما خرجت منه فنصبوا على ذلك ، ألا ترى أن كل ما في القرآن أتى بالباء إلا هذا، وقوله: ما هن أمهاتهم وأما أهل نجد فيتكلمون بالباء وغير الباء فإذا أسقطوها رفعوا. وهو أقوى الوجهين في العربية.

أنشدني بعضهم:


لشتان ما أنوي وينوي بنو أبي جميعا فما هذان مستويان

[ ص: 43 ]

تمنوا لي الموت الذي يشعب الفتى     وكل فتى والموت يلتقيان



وأنشدوني:


ركاب حسيل أشهر الصيف بدن     وناقة عمرو ما يحل لها رحل
ويزعم حسل أنه فرع قومه     وما أنت فرع يا حسيل ولا أصل



وقال الفرزدق:


أما نحن راءو دارها بعد هذه     يد الدهر إلا أن يمر بها سفر



وإذا قدمت الفعل قبل الاسم رفعت الفعل واسمه فقلت: ما سامع هذا وما قائم أخوك. وذلك أن الباء لم تستعمل هاهنا ولم تدخل ، ألا ترى أنه قبيح أن تقول: ما بقائم أخوك لأنها إنما تقع في المنفي إذا سبق الاسم، فلما لم يمكن في (ما) ضمير الاسم قبح دخول الباء. وحسن ذلك في (ليس) :

أن تقول: ليس بقائم أخوك لأن (ليس) فعل يقبل المضمر، كقولك: لست ولسنا ولم يمكن ذلك في (ما) .

فإن قلت: فإني أراه لا يمكن في (لا) وقد أدخلت العرب الباء في الفعل التي تليها فقالوا :


لا بالحصور ولا فيها بسوار



قلت: إن (لا) أشبه بليس من (ما) ، ألا ترى أنك تقول: عبد الله لا قائم ولا قاعد، كما تقول:

عبد الله ليس قاعدا ولا قائما، ولا يجوز عبد الله ما قائم ولا قاعد فافترقتا هاهنا [ ص: 44 ] .

ولو حملت الباء على (ما) إذا وليها الفعل تتوهم فيها ما توهمت في (لا) لكان وجها، أنشدتني امرأة من غني:


أما والله أن لو كنت حرا     وما بالحر أنت ولا العتيق



فأدخلت الباء فيما يلي (ما) فإن ألقيتها رفعت ولم يقو النصب لقلة هذا. قال: وحدثنا الفراء قال: وحدثني دعامة بن رجاء التيمي - وكان غرا- عن أبي الحويرث الحنفي أنه قال: (ما هذا بشرى) أي ما هذا بمشترى.

التالي السابق


الخدمات العلمية