صفحة جزء
وقوله: مثل الذين كفروا بربهم

أضاف المثل إليهم ثم قال أعمالهم كرماد اشتدت به الريح والمثل للأعمال ، والعرب تفعل [ ص: 73 ] ذلك: قال الله عز وجل ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة والمعنى ترى وجوههم مسودة. وذلك عربي لأنهم يجدون المعنى في آخر الكلمة فلا يبالون ما وقع على الاسم المبتدأ. وفيه أن تكرما وقع على الاسم المبتدأ على الثاني كقوله لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا فأعيدت اللام في البيوت لأنها التي تراد بالسقف ولو خفضت ولم تظهر اللام كان صوابا كما قال الله عز وجل يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه .

فلو خفض قارئ الأعمال فقال (أعمالهم كرماد) كان جائزا ولم أسمعه في القراءة. وقد أنشدني بعضهم:


ما للجمال مشيها وئيدا أجندلا يحملن أم حديدا



أراد ما للجمال ما لمشيها وئيدا. وقال الآخر :


ذريني إن أمرك لن يطاعا     وما ألفيتني حلمي مضاعا



فالحلم منصوب بالإلقاء على التكرير ولو رفعته كان صوابا.

وقال في يوم عاصف فجعل العصوف تابعا لليوم في إعرابه، وإنما العصوف للريح. وذلك جائز على جهتين، إحداهما أن العصوف وإن كان للريح فإن اليوم يوصف به لأن الريح فيه تكون، فجاز أن تقول يوم عاصف كما تقول: يوم بارد ويوم حار. وقد أنشدني بعضهم:


يومين غيمين ويوما شمسا

[ ص: 74 ] فوصف اليومين بالغيمين وإنما يكون الغيم فيهما. والوجه الآخر أن يريد في يوم عاصف الريح فتحذف الريح لأنها قد ذكرت في أول الكلمة كما قال الشاعر:


فيضحك عرفان الدروع جلودنا     إذا جاء يوم مظلم الشمس كاسف



يريد كاسف الشمس فهذان وجهان. وإن نويت أن تجعل (عاصف) من نعت الريح خاصة فلما جاء بعد اليوم أتبعته إعراب اليوم ، وذلك من كلام العرب أن يتبعوا الخفض الخفض إذا أشبهه.

قال الشاعر:


كأنما ضربت قدام أعينها     قطنا بمستحصد الأوتار محلوج



وقال الآخر :


تريك سنة وجه غير مقرفة     ملساء ليس بها خال ولا ندب



قال: سمعت الفراء قال: قلت لأبي ثروان وقد أنشدني هذا البيت بخفض: كيف تقول: تريك سنة وجه غير مقرفة؟ قال: تريك سنة وجه غير مقرفة. قلت له: فأنشد فخفض (غير) فأعدت القول عليه فقال: الذي تقول أنت أجود مما أقول أنا ، وكان إنشاده على الخفض. وقال آخر :


وإياكم وحية بطن واد     هموز الناب ليس لكم بسي



ومما يرويه نحويونا الأولون أن العرب تقول: هذا جحر ضب خرب. والوجه أن يقول:

سنة وجه غير مقرفة، وحية بطن واد هموز الناب، وهذا جحر ضب خرب. وقد ذكر عن [ ص: 75 ] يحيى بن وثاب أنه قرأ (إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) فخفض المتين وبه أخذ الأعمش.

والوجه أن يرفع (المتين) أنشدني أبو الجراح العقيلي:


يا صاح بلغ ذوي الزوجات كلهم     أن ليس وصل إذا انحلت عرا الذنب



فأتبع (كل) خفض (الزوجات) وهو منصوب لأنه نعت لذوي.

التالي السابق


الخدمات العلمية