وقوله:
ومن كان في هذه أعمى يعني: في نعم الدنيا التي اقتصصناها عليكم
فهو في الآخرة في نعم الآخرة
أعمى وأضل سبيلا .
والعرب إذا قالوا: هو أفعل منك قالوه في كل فاعل وفعيل، وما لا يزاد في فعله شيء على ثلاثة أحرف. فإذا كان على فعللت مثل زخرفت، أو افعللت مثل احمررت واصفررت لم يقولوا: هو أفعل منك إلا أن يقولوا: هو أشد حمرة منك، وأشد زخرفة منك. وإنما جاز في العمى لأنه لم يرد به عمى العين، إنما أراد به -والله أعلم- عمى القلب. فيقال: فلان أعمى من فلان في القلب
[ ص: 128 ] و (لا تقل) : هو أعمى منه في العين. فذلك أنه لما جاء على مذهب أحمر وحمراء ترك فيه أفعل منك كما ترك في كثيره . وقد تلقى بعض النحويين يقول: أجيزه في الأعمى والأعشى والأعرج والأزرق، لأنا قد نقول: عمي وزرق وعرج وعشي ولا نقول: صفر ولا حمر ولا بيض. وليس ذلك بشيء، إنما ينظر في هذا إلى ما كان لصاحبه فيه فعل يقل أو يكثر، فيكون أفعل دليلا على قلة الشيء وكثرته ؛ ألا ترى أنك قد تقول: فلان أقوم من فلان وأجمل لأن قيام ذا وجماله قد يزيد على قيام الآخر وجماله، ولا تقول لأعميين: هذا أعمى من هذا، ولا لميتين: هذا أموت من هذا.
فإن جاءك منه شيء في شعر فأجزته احتمل النوعان الإجازة: حدثنا
محمد قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء قال حدثني شيخ من أهل
البصرة أنه سمع العرب تقول: ما أسود شعره. وسئل الفراء عن الشيخ فقال: هذا بشار الناقط. وقال الشاعر :
أما الملوك فأنت اليوم ألأمهم لؤما وأبيضهم سربال طباخ
فمن قال هذا لزمه أن يقول: الله أبيضك والله أسودك وما أسودك. ولعبة للعرب يقولون أبيضي حالا وأسيدي حالا والعرب تقول مسودة مبيضة إذا ولدت السودان والبيضان وأكثر ما يقولون: موضحة إذا ولدت البيضان وقد يقولون مسيدة.