1. الرئيسية
  2. غريب الحديث للخطابي
  3. القول فيما يجب على من طلب الحديث من تعلم كلام العرب وتعرف مذاهبها ومصارف وجوهها
صفحة جزء
بسم الله الرحمن الرحيم

القول فيما يجب على من طلب الحديث من تعلم كلام العرب وتعرف مذاهبها ومصارف وجوهها

إن بيان الشريعة لما كان مصدره عن لسان العرب، وكان العمل بموجبه لا يصح إلا بإحكام العلم بمقدمته، كان من الواجب على أهل العلم وطلاب الأثر أن يجعلوا أولا عظم اجتهادهم، وأن يصرفوا جل عنايتهم إلى علم اللغة والمعرفة بوجوهها، والوقوف على مثلها ورسومها.

ثم إن فنونها كثيرة، ومنادحها واسعة، والطمع عن الاستيلاء عليها منقطع، والإمعان في طلبها يستغرق العمر، ويصد عما وراءها من العلم، وملاك الأمر فيما تمس بهم إليه الحاجة منها معرفة أبواب ثلاثة: وهي أمثلة الأسماء، وأبنية الأفعال، وجهات الإعراب، فإن من لم يحكم هذه الأصول لم يكمل لأن يكون واعيا لعلم أو راويا له، وبالحري أن يكون ما يفسده منه أكثر مما يصلحه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نضر الله امرأ سمع مقالتي فحفظها ووعاها، وأداها كما سمعها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه . فالذاهب عن طريق الصواب فيها كيف [ ص: 54 ] يؤديها كما سمعها، وهو لم يتقن حفظها، ولم يحسن وعيها، وكيف يبلغها من هو أفقه منه وهو لا يملك حملها ولا ينهض بعبئها، فهو إذن مغتصب على الفقيه حقه، قاطع لطريق العلم على من بعده، والله المستعان. وأنا ممثل لك يا طالب الحديث في كل باب من هذه الأبواب الثلاثة مثلا من الحديث تستدل بها على ما أردت بيانه لك منها إن شاء الله.

روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين .

الرواية بتحريك اللام في الخلف، وقد رواه بعضهم بسكون اللام، فأزال الخبر عن جهته، وأحال معناه. لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقصد بقوله هذا ذم عدول حملة العلم، إنما أراد به مدحهم والثناء عليهم. وإنما الخلف بسكون اللام خلف السوء. قال الله تعالى: فخلف من بعدهم خلف ، ومنه قول لبيد بن ربيعة العامري:


ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد الأجرب

.

ويقال: فلان خلف صدق من أبيه، وخلف سوء -متحركة اللام- فإذا لم تذكر خيرا ولا شرا قلت في الخير خلف، وفي الشر خلف.

ومن هذا الباب حديثه الآخر، أنه قال: من تزوج ذات جمال ومال، [ ص: 55 ] فقد أصاب سدادا من عوز ، رواه هشيم بن بشير سدادا -بفتح السين- فأزال المعنى، وإنما هو السداد -مكسورة السين- من سد الخلة، وكل شيء سددت به فرجة، أو ردمت به ثلمة فهو سداد، ولذلك سمي صمام القارورة سدادا، فأما السداد -بفتح السين- فهو مصدر سد رأي فلان يسد سدادا. وكان المأمون قد سمع هذا الحديث من هشيم، فرواه ملحونا كما سمعه اتباعا للرواية، فراجعه النضر بن شميل في ذلك، فامتعض من هجنة اللحن.

حدثني أحمد بن عبدوس، ثنا مسبح بن حاتم العكلي، نا حسين بن أحمد الأصبهاني، عن النضر بن شميل قال: لما قدم علينا المأمون خراسان دخلنا عليه فحدثنا عن هشيم، عن مجالد، عن الشعبي، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تزوج ذات جمال ومال، فقد أصاب سدادا من عوز ، فقلت له: حدثنا عوف الأعرابي، عن الحسن، عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تزوج ذات جمال ومال، فقد أصاب سدادا من عوز . فقال: أتلحنونني؟ فقلت: لحن هشيم، وكان لحانا، فقال: وما حجتك؟ قال: قلت: قول العرجي:


أضاعوني وأي فتى أضاعوا     ليوم كريهة وسداد ثغر

قال: فسكت.

التالي السابق


الخدمات العلمية