صفحة جزء
وقال أبو سليمان في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال لأبي ذر: "ما لي أراك لقا بقا، كيف بك إذا أخرجوك من المدينة" .

أخبرناه محمد بن هاشم، نا الدبري، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه.

قوله: "لقا بقا" معناهما كثرة الكلام والإسهاب فيه، يقال: رجل لق بق، ولقلاق بقباق، وبه سمي اللسان لقلقا.

أخبرناه ابن الأعرابي، نا سهل بن علي الدوري، نا سوار بن عبد الله القاضي، ثنا الأصمعي، عن أبي الأشهب العطاردي، عن الحسن قال: "نظر ابن الخطاب إلى شاب، فقال: يا شاب، إن وقيت شر لقلقك وقبقبك وذبذبك فقد وقيت شر الشباب" .

قال الأصمعي: فاللقلق: اللسان، والقبقب: البطن، والذبذب: الفرج، والبقاق: كثرة الكلام. ويقال: رجل مبق إذا كان كثير الكلام.

وكان أبو ذر -رحمه الله- فيه شدة على الأمراء، وإغلاظ لهم، وكان عثمان -رضي الله عنه- يبلغ عنه إلى أن استأذنه أبو ذر في الخروج إلى الربذة، فأذن له في ذلك على النظر له.

ورواه بعضهم: لقا بقا مخففين، ومعناه على هذه الرواية: ما لي أراك ملقى، وكل شيء ألقيته فهو لقى، قال الشاعر: [ ص: 420 ]


لقى بين أيدي الطائفين حريم



وقوله: "بقا" إتباع ليزدوج به الكلام، كقولهم: شيطان ليطان، وعطشان نطشان، وجائع نائع.

أخبرني أبو عمر، عن أبي العباس ثعلب، عن ابن الأعرابي قال: قلت لأبي المكارم: ما قولكم: جائع نائع؟ قال: إنما هو شيء نتد به كلامنا، ويدل على صحة هذا التأويل ما رواه معتمر بن سليمان، عن داود بن أبي هند، عن أبي حرب بن أبي الأسود الدؤلي، عن عمه، عن أبي ذر قال: أتاني نبي الله -عليه السلام- وأنا نائم في مسجد المدينة، فضربني برجله وقال: "ألا أراك نائما فيه!" قلت: يا نبي الله، غلبتني عيني قال: "فكيف تصنع إذا أخرجت منه؟". قلت: ما أصنع يا نبي الله؟ أضرب بسيفي، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أدلك على ما هو خير لك من ذلك، وأقرب رشدا؟ تسمع وتطيع، وتنساق لهم حيث ساقوك" .

وحدثنا إبراهيم بن فراس العبقسي، نا محمد بن عيسى البياضي، نا [ ص: 421 ] محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، نا المعتمر بن سليمان، قال: سمعت كهمسا يحدث عن أبي السليل، عن أبي ذر بمعناه.

التالي السابق


الخدمات العلمية