صفحة جزء
وقال أبو سليمان في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "يقول الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل، يقول العبد: الحمد لله رب العالمين يقول الله: حمدني عبدي. يقول العبد: الرحمن الرحيم يقول الله: أثنى علي عبدي. يقول [ ص: 503 ] العبد: مالك يوم الدين يقول الله: مجدني عبدي، يقول العبد: إياك نعبد وإياك نستعين فهذه الآية بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، يقول العبد: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين فهذا لعبدي ولعبدي ما سأل".

قوله: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي" معناه قسمت القراءة، وسماها صلاة لأنها ركن من أركان الصلاة، وجزء من أجزائها، ووجه القسمة فيها أن نصف السورة عبادة وثناء، ونصفها مسألة ودعاء، ولم يرد به تقسيط الآي والحروف وتقسيمها قسمين على السواء، إنما هو إشارة إلى انقسام السورة للعبادة والمسألة، فتكون حقيقة القسمة بالمعنى لا باللفظ، وهذا كما يقال: نصف السنة سفر ونصفها حضر، ليس على تساوي الزمانين فيهما، لكن على انقسام الزمانين لهما وإن تفاوت مدتاهما.

وقيل لشريح: كيف أصبحت؟ فقال: أصبحت ونصف الناس علي غضاب، يريد أن الناس من بين محكوم له ومحكوم عليه فهم حزبان مختلفان: أحدهما راض عنه، والآخر ساخط عليه، وهذا كقول الشاعر:


إذا مت كان الناس نصفين شامت بموتي ومثن بالذي كنت أصنع



ومما يدل على أنه أراد قسمة المعاني لا الألفاظ قوله: فهذه بيني وبين عبدي، ولا يجوز أن تكون التلاوة بينه وبين عبده؛ لأن المتلو كلام الله ليس للعبد فيه شرك .

[ ص: 504 ] قال أبو سليمان في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان اسم فرسه السكب.

حدثنيه محمد بن الحسين بن إبراهيم، نا أبو عروبة، نا المسيب بن واضح، نا أبو إسحاق الفزاري، عن جعفر بن الحارث، عن محمد بن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب.

قال الأصمعي: يقال فرس سكب وهو الكثير الجري، قال أبو دواد:


وقد أغدو بطرف هي     كل ذي ميعة سكب

وقال الواقدي: كان للنبي فرس يقال له السكب، وآخر يقال: له اللحيف، وفرس يقال له اللزاز.

وفسره محمد بن إسحاق السهمي راوي هذا الخبر عن الواقدي فقال: إنما سمي اللزاز لشدة تلززه، واللحيف لكثرة سابله، يعني ذنبه، قال: والسكب شبه لونه بلون الشقائق، قال وأنشدنا الأصمعي:


كالسكب المحمر فوق الرابيه



قال الواقدي: ومن أفراس النبي صلى الله عليه المرتجز، سمي مرتجزا لحسن صهيله. وأخبرناه عبد الرحمن بن الأسد الفارسي، نا الدبري، عن عبد الرزاق [ ص: 505 ] عن معمر، عن ثابت، عن أنس أن أهل المدينة فزعوا مرة فركب صلى الله عليه فرسا كأنه مقرف، فركض في آثارهم، فلما رجع قال: "وجدناه بحرا".

والبحر الفرس الواسع الجري. قال الأصمعي: يقال فرس بحر وفيض وحت وغمر. وقال إبراهيم بن محمد بن عرفة نفطويه: معناه وجدناه كثير الجري لا يفنى جريه، كما لا يفنى ماء البحر. والإقراف أن تكون الأم عربية والفحل هجينا. قال الشاعر:


فإن نتجت مهرا كريما فبالحرى     وإن كان إقراف فمن قبل الفحل

قال حماد بن سلمة: كان هذا الفرس يبطأ، فلما قال النبي صلى الله عليه فيه هذا القول صار سابقا لا يلحق.

التالي السابق


الخدمات العلمية