السبب الذي من أجله كثر غريب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إن الذي قدمناه من ذكر جوامع كلامه، وفصلناه من ضروب بيانه يكفي سببا لكثرة ما يوجد من الغريب في حديثه، ثم إنه صلى الله عليه بعث مبلغا ومعلما، فهو لا يزال في كل مقام يقومه وموطن يشهده يأمر بمعروف وينهى عن منكر، ويشرع في حادثة، ويفتي في نازلة، الأسماع إليه مصغية، والقلوب لما يرد عليها من قوله واعية، وقد تختلف عباراته، ويتكرر فيها بيانه، ليكون أوقع للسامعين، وأقرب إلى فهم من كان منهم أقل فقها وأقرب بالإسلام عهدا، وأولو الحفظ والإتقان من فقهاء الصحابة يرعونها كلها سمعا، ويستوفونها حفظا، ويؤدونها على اختلاف جهاتها، فيجتمع لذلك في القضية الواحدة عدة ألفاظ، تحتها معنى واحد، وذلك كقوله:
nindex.php?page=hadith&LINKID=673858الولد للفراش، وللعاهر الحجر ، وفي رواية أخرى
nindex.php?page=hadith&LINKID=687239وللعاهر الإثلب ) ، وقد مر بمسامعي ولم يثبت عندي (وللعاهر الكثكث ) .
وقد يتكلم صلى الله عليه في بعض النوازل وبحضرته أخلاط من الناس قبائلهم شتى ولغاتهم مختلفة ومراتبهم في الحفظ والإتقان غير متساوية وليس كلهم يتيسر لضبط اللفظ وحصره، أو يتعمد لحفظه ووعيه، وإنما
[ ص: 69 ] يستدرك المراد بالفحوى، ويتعلق منه بالمعنى، ثم يؤديه بلغته ويعبر عنه بلسان قبيلته، فيجتمع في الحديث الواحد إذا انشعبت طرقه عدة ألفاظ مختلفة موجبها شيء واحد، وهذا كما يروى
nindex.php?page=hadith&LINKID=682782أن رجلا كان يهدي إلى رسول الله كل عام راوية خمر، فأهداها عام حرمت، فقال: إنها حرمت، فاستأذنه في بيعها، فقال له: إن الذي حرم شربها حرم بيعها، قال: فما أصنع بها؟ قال: سنها في البطحاء، قال: فسنها . وجاء في رواية أخرى (فهتها ) ، وفي رواية أخرى (فبعها ) والمعنى واحد.
ولكثرة ما يرد من هذا ومن نظائره يقول
أبو عبيدة معمر بن المثنى: أعيانا أن نعرف أو نحصي غريب حديث رسول الله صلى الله عليه.
حدثنيه
أحمد بن مالك، نا
الدغولي، عن
المظفري قال: قال ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=12078أبو عبيدة. وحدثني
إبراهيم بن فراس، نا
أحمد بن علي الأعرج، سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=16616علي بن خشرم، سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة يقول: سألت عن تفسير الحديث خمسين سنة. قال
nindex.php?page=showalam&ids=14228أبو سليمان: وقد كان قد بقي عليه بعد ما لم يعرفه.
حدثني
محمد بن الحسين الآبري، نا
nindex.php?page=showalam&ids=13114محمد بن إسحاق بن خزيمة، سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=17418يونس بن عبد الأعلى يقول: سئل
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة عن قوله:
nindex.php?page=hadith&LINKID=650156من استجمر فليوتر فسكت، فقيل له: أترضى بما قال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك؟ قال: وما قال
[ ص: 70 ] nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك؟ قيل، قال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك: الاستجمار: الاستطابة بالأحجار، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة: مثلي ومثل
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك كما قال الأول:
وابن اللبون إذا ما لز في قرن لم يستطع صولة البزل القناعيس
.
قال: وبلغني أن
nindex.php?page=showalam&ids=12074أبا عبيد القاسم بن سلام مكث في تصنيف كتابه أربعين سنة يسأل العلماء عما أودعه من تفسير الحديث، والناس إذ ذاك متوافرون، والروضة أنف، والحوض ملآن، ثم قد غادر الكثير منه لمن بعده، ثم سعى له
nindex.php?page=showalam&ids=16568أبو محمد سعي الجواد إذا استولى على الأمد، فأسأر القدر الذي جمعناه في كتابنا هذا، وقد بقي من وراء ذلك أحاديث ذات عدد لم أتيسر لتفسيرها، تركتها ليفتحها الله على من يشاء من عباده، ولكل وقت قوم، ولكل نشء علم، قال الله تعالى:
وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم .