صفحة جزء
حديث أبي هريرة رضي الله عنه

وقال أبو سليمان في حديث أبي هريرة " أنه قال : إذا توضأت فأمر على عيار الأذنين .

أخبرناه محمد بن أحمد بن زيرك ، نا العباس بن محمد الدوري ، أنا أبو النضر ، نا أبو مالك النخعي ، عن الأعمش ، عن ذكوان ، عن أبي هريرة .

قال الدوري : يريد بالعيار ما فوق الأذنين ، كأنه يذهب إلى العيار الذي تعتبر به الأشياء ، يريد به الموضع الذي ينتهي إليه حد الأذن ولست أرى هذا شيئا ؛ لأنه لا سنة في غسل ما وراء الأذنين ولا في إمرار الماء على ما فوقها ، وإنما وردت السنة بمسح الأذن نفسها ، وكان صلى الله عليه يأخذ لهما ماء جديدا فيمسح ظاهرهما وباطنهما ، وإنما العيار : ما عار ونتأ من الأذن : أي أشرف وارتفع منها ، وكل عظم ناتئ من البدن عير ، ومنه عير القدم وعير الكتف ، وهو العظم الناتئ في وسطه ، وعير السيف حامله ، وهو ما غلظ من وسطه ، وكذلك عير النصل ، قال الراعي :


فصادف سهمه أحجار قف كسرن العير منه والغرارا

ولهذا المعنى سمي الوتد عيرا ، قال الحارث بن حلزة :


زعموا أن كل من ضرب العير     موال لنا وأنى الولاء



[ ص: 418 ] قال أصحاب المعاني : أراد بالعير الوتد ، وذلك لأن العرب نازلة العمد ، فكلهم يضربون الأوتاد لخيامهم إذا نزلوا .

وقال بعضهم : بل العير هاهنا المثال القائم الذي يرى في حدقة الإنسان ، يريد كل من ضرب بجفن على عير .

وسئل أبو عمرو بن العلاء عن تفسير هذا البيت فقال : ذهب من كان يحسن أن يفسره .

قال الأصمعي : ثم فسر العير فقال : هو الناتئ في بؤبؤ العين ، قال : ومعناه كل من انتبه من نومه ، قال : ومنه قولهم : آتيك قبل عير وما جرى : أي آتيك قبل أن ينتبه نائم .

وقال غير أبي عمرو في قولهم : قبل عير وما جرى ، يراد به السرعة : أي قبل لحظة العين ، وأنشد لتأبط شرا :


ونار قد حضأت بعيد هدء     بدار ما أريد بها مقاما
سوى تحليل راحلة وعير     أكالئه مخافة أن يناما

قال أبو العباس ثعلب : معنى قوله : وأنى الولاء ، أي أصحاب الولاء [ ص: 419 ] فأضمر ، قال : وهذا الحرف عنى أبو عمرو بن العلاء بقوله : ذهب من يحسنه ، وقد يحتمل أن يكون ذلك غيار الأذن بالغين معجمة ، وهو محارها .

ويقال : غارت الشمس غيارا إذا غابت ، إلا أن الرواية جاءت بالعين غير معجمة ، والله أعلم بالصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية