صفحة جزء
وقال أبو سليمان في حديث عمرو في قصة إسلامه أنه قال : أقبلت متوجها إلى المدينة على جمل لي فبينا أنا أسير ببعض الطريق إذا ببياض أنحاش منه مرة وينحاش مني أخرى فإذا أنا بأبي هريرة الدوسي فقلت : أين تريد ؟ قال : المدينة فاصطحبنا حتى قدمنا المدينة قال عمرو : فأربت بأبي هريرة ولم تضررني إربة أربتها قط قبل يومئذ . قلت : أقدم أبا هريرة فيدخل فيجد رسول الله مشغولا فجئنا والصلاة قائمة فدخل أبو هريرة والناس ينظرون إليه في الصلاة فتشايره الناس وشهر وتأخرت أنا حتى صلى .

يرويه الواقدي : حدثني عبد الله بن جعفر ، عن أبي عمير الطائي عن الزهري .

قوله : أنحاش منه هو أن يوجس منه خوفا فيتوقاه ويحذره قبل أن يتبينه ويعرفه والانحياش : الاكتراث للشيء . يقال : فلان لا ينحاش من شيء إذا لم يكترث . قال ذو الرمة يصف بيض النعام [ ص: 484 ] :


وبيضاء لا تنحاش منا وأمها إذا ما رأتنا زيل منا زويلها

وقوله : إربة أربتها : أي حيلة احتلتها . وأصل الإرب الدهاء والنكر .

يقال : فلان ذو إرب أي ذو دهاء والإرب أيضا العقل وهو الإربة .

ومن هذا قوله : غير أولي الإربة من الرجال أي غير ذوي العقل يريد الذين لم تستحكم عقولهم وقد يفسر أيضا غير ذي الحاجة .

والإرب أيضا : العضو والأرب مفتوحة الألف والراء الحاجة والوطر .

فأما قول عمر بن الخطاب للحارث بن أوس : أربت من يديك فقد ذكره أبو عبيد في كتابه وفسره فقال : معناه سقطت آرابك من اليدين خاصة ، وكذلك قاله ابن قتيبة .

وفيه قولان آخران : قال أبو حاتم : معناه شلت يداه . وقال عبد الرحمن بن أخي الأصمعي : معناه أن يسأل الناس بهما كأنه يذهب إلى معنى الاحتيال والتكسب بهما فيكون مرجعه على هذا التأويل إلى الإرب الذي هو الدهاء على ما ذكرته لك أولا .

وقوله : فتشايره الناس أي اشتهروه بأبصارهم وأصله من الشارة وهي الهيئة واللباس الحسن [ ص: 485 ] .

يقال : رأيت على فلان شارة حسنة ورجل صير شير أي ذو صورة وشارة حسنة .

قال أبو سليمان : والثبت أن عمرا قد تقدم إسلامه إسلام أبي هريرة [أسلم أبو هريرة] سنة سبع ، قدم المدينة ورسول الله بخيبر ، وأسلم عمرو وخالد بن الوليد سنة ست " .

التالي السابق


الخدمات العلمية