صفحة جزء
وقال أبو سليمان في حديث علقمة: "أنه قال للأسود: يا أبا عمرو، قال: لبيك، قال: لبى يديك".

يرويه أحمد بن حنبل، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم.

قوله: لبى يديك، معناه: سلمت يداك وصحتا، وأصله من لب الرجل بالمكان، وألب به إذا لزمه وأقام به.

أخبرني ابن مالك، أنا محمد بن إبراهيم بن سعيد العبدي قال: سمعت ابن عائشة يقول: دعا أعرابي غلاما له، فأبطأ في الإجابة، ثم قال: لبيك، فقال: لب عمود جنبيك.

وكان الأصل في لبى: لبب، فأبدلوا من إحدى الباءات ياء؛ طلبا للخفة، كما قالوا: تقضى الطائر من تقضض، وتظنى الرجل من تظنن.

قال العجاج:


تقضي البازي إذا البازي انكسر



[ ص: 13 ] وقال النابغة:


فليس يرد مذهبها التظني



وأراه إنما ترك الإعراب في قوله: لبى يديك، وكان حقه أن يقول: يداك؛ لتأتلف الكلمتان وتزدوجا، والعرب قد تفعل ذلك؛ تتوخى به ازدواج الكلام، كقولهم: إنه ليأتينا بالغدايا والعشايا، وإنما تجمع الغداة على الغدوات، فسلكوا بها مسلك العشية؛ لتزدوج الكلمتان.

وقالوا: حياك الله وبياك، وإنما هو بواك، فحولوها عن الواو إلى الياء، ومثل هذا في كلامهم كثير.

فأما الحديث الذي يروى: "أن رجلا خاصم أباه عند النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأمر به فلب له".

أخبرناه محمد بن هاشم، نا الدبري، عن عبد الرزاق، عن ابن جريج قال: سمعت ابن أبي حسين يقول: خاصم رجل أباه فقال -صلى الله عليه وسلم-: "أنت ومالك لأبيك، ثم أمر به فلب له".

فليس هذا من الأول في شيء، ومعناه أنه علق وجر له من الأخذ بموضع اللبة.

[ ص: 14 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية