صفحة جزء
110 - وقال أبو عبيد في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - :

"ما أذن الله لشيء كأذنه لنبي يتغنى بالقرآن [أن] يجهر به" [ ص: 346 ] .

قال: حدثناه إسماعيل بن جعفر، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

قوله: كأذنه: يعني ما استمع الله لشيء كاستماعه لنبي يتغنى بالقرآن.

قال: حدثناه "حجاج"، عن ابن جريج، عن مجاهد في قوله [ - عز وجل - ] : وأذنت لربها وحقت قال: استمعت أو سمعت - شك أبو عبيد - .

قال [أبو عبيد] : وحدثناه أبو معاوية، عن معرف بن واصل، عن حبيب بن أبي ثابت في قوله: وأذنت لربها قال: استمعت أو سمعت.

يقال: أذنت للشيء آذن له أذنا: إذا استمعت، [أو سمعت له]

قال "عدي بن زيد":


أيها القلب تعلل بددن إن همي في سماع وأذن

وقال "عدي" أيضا [ ص: 347 ] :


في سماع يأذن الشيخ له     وحديث مثل ماذي مشار

يريد بقوله: يأذن: يستمع.

بعضهم يرويه: "كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن" - بكسر الألف - يذهب به إلى الإذن من الاستئذان، وليس لهذا وجه [عندي] .

وكيف يكون إذنه في هذا أكثر من إذنه في غيره، والذي أذن له فيه من توحيده وطاعته، والإبلاغ عنه أكثر وأعظم من الإذن في قراءة يجهر بها.

وقوله: يتغنى بالقرآن: إنما مذهبه عندنا تحزين القراءة .

ومن ذلك حديثه الآخر الذي يروى عن شعبة، عن معاوية بن قرة، عن عبد الله بن مغفل، أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ سورة الفتح، فقال [ ص: 348 ] : "لولا أن يجتمع الناس علينا لحكيت تلك القراءة، وقد رجع ".

ومما يبين ذلك حديث يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - :

أنه ذكر أشراط الساعة، فقال: "بيع الحكم، وقطيعة الرحم، والاستخفاف بالدم، وكثرة الشرط، وأن يتخذ القرآن مزامير، يقدمون أحدهم، وليس بأقرئهم ولا أفضلهم إلا ليغنيهم به غناء".

قال: سمعت "أبا يوسف" يحدثه عن ليث، عن عثمان بن عمير، عن زاذان، عن عابس الغفاري، أنه سمع النبي [صلى الله عليه وسلم] يقول ذلك.

قال: وحدثنا ابن علية، عن ليث، عن طاووس، قال: "أقرأ الناس للقرآن أخشاهم لله [ - عز وجل - ] .

فهذا تأويل حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : [ما أذن الله لشيء كأذنه لنبي] يتغنى بالقرآن [أن] يجهر به [ ص: 349 ] .

وهو تأويل قوله: "وزينوا القرآن بأصواتكم". قال: وأخبرني "يحيى بن سعيد"، عن "شعبة"، قال: نهاني "أيوب" أن أتحدث بهذا الحرف: "زينوا القرآن بأصواتكم".

[قال أبو عبيد] : وإنما كره "أيوب" ذلك مخافة أن يتأول على غير وجهه .

[قال] : وأما حديث رسول الله [ - صلى الله عليه وسلم - ] : ليس منا من لم يتغن بالقرآن".

فليس هو عندي من هذا، إنما هو من الاستغناء، وقد فسرناه في موضع آخر" [ ص: 350 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية