صفحة جزء
161 - وقال "أبو عبيد" في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - إن رجلين اختصما إليه في مواريث، وأشياء قد درست.

فقال - صلى الله عليه وسلم - : "لعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه، فإنما أقطع له قطعة من النار ".


فقال كل واحد من الرجلين: يا رسول الله! حقي هذا لصاحبي.

فقال: "لا ". ولكن اذهبا، فتوخيا، ثم استهما، ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه"
[ ص: 41 ] .

قال: حدثناه "صفوان بن عيسى" عن "أسامة بن زيد" عن "عبد الله بن رافع" عن "أم سلمة: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 42 ] قوله: "لعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ": يعني أفطن لها وأجدل، واللحن: الفطنة - بفتح الحاء.

ومنه قول "عمر بن عبد العزيز ": "عجبت لمن لاحن الناس كيف لا يعرف جوامع الكلم، ويقال منه: رجل لحن إذا كان فطنا، قال" "لبيد" يذكر " [رجلا] كاتبا:


متعود لحن يعيد بكفه قلما على عسب ذبلن وبان

واللحن في أشياء سوى هذا.

[منه] الخطأ في الكلام، وهو بجزم الحاء [ ص: 43 ] .

يقال منه: قد لحن الرجل لحنا.

ومنه قول "عمر" - رضي الله عنه - :

قال حدثناه "أبو معاوية" عن "عاصم" عن "مورق" عن "عمر" [رحمه الله] قال: "تعلموا اللحن، والفرائض، والسنن كما تعلمون القرآن ".

قال أبو عبيد: وحدثناه "الدقيعي محمد بن عبد الله" عن "يزيد ابن هارون" عن "عاصم الأحول" عن "مورق" [ ص: 44 ] .

ومنه حديث "أبي العالية ": "كنت أطوف مع "ابن عباس" وهو يعلمني لحن الكلام ".

وإنما سماه لحنا؛ لأنه إذا بصره الصواب فقد بصره اللحن.

ومن اللحن [أيضا] قول الله - تبارك وتعالى - : ولتعرفنهم في لحن القول فكأن تأويله - والله أعلم - في فحواه، وفي معناه، وفي مذهبه.

وفي هذا الحديث من الفقه قوله: "اذهبا، فتوخيا "، يقول: توخيا الحق، فكأنه قد أمر الخصمين بالصلح.

وقوله: "استهما" أي اقترعا، فهذا حجة لمن قال بالقرعة في الأحكام [ ص: 45 ] .

قال الله - تبارك وتعالى - في قصة "يونس ": فساهم فكان من المدحضين وقال [ - عز وجل - ] في قصة "مريم" [ - عليها السلام - ] : إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم

فكل هذا حجة في القرعة.

وفي الحديث من الفقه أيضا أنه لا يحل للمقضي له حرام، وإن قضى له القاضي بذلك؛ ألا تراه يقول:

"من قضيت له بشيء من حق أخيه، فإنما أقطع له قطعة - من النار" [ ص: 46 ] .

ومما يبين ذلك حكمه في ابن أمة "زمعة" حين قضى به للفراش فجعله أخا "سودة بنت زمعة" في القضاء، ثم أمرها أن تحتجب منه [ ص: 47 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية