صفحة جزء
174 - وقال "أبو عبيد" في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - في المخنث الذي كان يدخل على أزواجه، فقال "لعبد الله بن أبي أمية" أخي "أم سلمة ": إن فتح الله علينا الطائف غدا دللتك على ابنة غيلان، فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان ".

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 97 ] :

"لا يدخل هذا عليكن"
[ ص: 98 ] .

قال: حدثناه "ابن علية" عن "روح بن القاسم" عن "هشام ابن عروة" عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم.

وأما في حديث يروى عن "الليث بن سعد" بإسناد له أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "ألا أراك تعقل هذا؟ لا يدخلن ذا عليكن ".

قوله: تقبل بأربع: يعني أربع عكن في بطنها، فهي تقبل بهن [ ص: 99 ] .

وقوله: "تدبر بثمان ": يعني أطراف هذه العكن الأربع وذلك لأنها محيطة بالجنبين حتى لحقت بالمتنين، من مؤخرها من هذا الجانب أربعة أطراف، ومن الجانب الآخر مثلها، فهذه ثمان.

وإنما أنث، فقال: بثمان، ولم يقل: بثمانية، وواحد الأطراف طرف وهو ذكر؛ لأنه لم يقل: ثمانية أطراف، فلو جاء بلفظ الأطراف لم يجد بدا من التذكير.

وهذا كقولهم: هذا الثوب سبع في ثمان. [والثمان] يراد بها الأشبار، فلم يذكرها لما لم يأت بذكر الأشبار، والسبع [ ص: 100 ] إنما يقع على الأذرع، فلذلك أنث، والذراع أنثى.

وكذلك قولهم: صمنا من الشهر خمسا.

قال: سمعت "الكسائي" و"أبا الجراح" يقولانه.

وقد علمنا أنه إنما يراد بالصوم الأيام دون الليالي، ولو ذكر الأيام لم يجد بدا من التذكير، فيقول: صمت خمسة أيام، كقول الله [ - عز وجل - ] : سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما .

فهذا ما في الحديث من العربية.

وفيه من الفقه دخوله [كان] ، على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه وإن كان مخنثا، فإنه رجل يجب عليهن الاستتار منه.

وإنما وجهه عندنا أنه كان عند النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير أولي الإربة من الرجال؛ لقول الله [ - عز وجل - ] : ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن ... " إلى قوله أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال [ ص: 101 ] فلهذا كان ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - إياه أن يدخل على أزواجه.

فلما وصف الذي وصف من المرأة، علم أنه ليس من أولئك، فأمر بإخراجه.

ألا تراه يقول له: "ألا أراك تعقل ما ها هنا؟ " فعند ذلك نهى عن دخوله عليهن [ ص: 102 ] .

وكذلك يروى عن "الشعبي" أو "سعيد بن جبير" أنه قال في غير أولي الإربة من الرجال، قال: "هو المعتوه ".

وهذا عندي أحسن، من قول "مجاهد ".

قال: حدثنا "ابن علية" عن "ابن أبي نجيح" عن "مجاهد" في قوله: غير أولي الإربة من الرجال قال: الذي لا أرب له - في النساء.

قال "مجاهد ": مثل فلان.

[قال "أبو عبيد] ": وحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - خلاف هذا.

[ألا ترى أنه قد يكون لا أرب له في النساء، وهو مع هذا يعقل أمرهن، ويعرف مساوئهن من محاسنهن.

والذي في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - "أنه كان عنده لا يعقل هذا، فلما رآه قد عقله أمر بإخراجه"] [ ص: 103 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية