صفحة جزء
313 - قال "أبو عبيد" في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : أنه سئل عن الإبل فقال:

"أعنان الشياطين لا تقبل إلا مولية، ولا تدبر إلا مولية، ولا يأتي نفعها إلا من جانبها الأشأم ".


[ - قال أبو عبيد - ] : من حديث يروى عن "أبي عوانة" عن "قتادة" يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - :

قوله: "أعنان الشياطين" [ ص: 632 ] .

قال: بلغني عن "يونس بن حبيب البصري" أنه قال: أعنان كل شيء: نواحيه.

وأما الذي نحكيه نحن فأعناء الشيء نواحيه.

قالها "أبو عمرو" وغيره من علمائنا.

فإن كانت الأعنان محفوظة، فإنه أراد أن الإبل من نواحي - الشياطين أنها على أخلاقها وطبائعها.

وهذا شبيه بالحديث الآخر: "أنها خلقت من الشياطين" [ ص: 633 ] .

وفي حديث ثالث: "إن على ذروة كل بعير شيطانا ".

وقوله: "لا تقبل إلا مولية، ولا تدبر إلا مولية ". فهذا عندي كالمثل الذي يقال فيها: "إنها إذا أقبلت أدبرت وإذا أدبرت أدبرت ".

وذلك لكثرة آفاتها، وسرعة فنائها [ ص: 634 ] .

وقوله: "لا يأتي خيرها إلا من جانبها الأشأم" يعني الشمال، ويقال لليد الشمال الشؤمى. [قال الشاعر:


وأنحى على شؤمى يديه فذادها بأظمأ من فرع الذؤابة أسحما]

ومنه قول الله - جل ثناؤه - : وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة يريد أصحاب الشمال [ ص: 635 ] .

ومعنى قوله: "لا يأتي نفعها إلا من هناك" يعني أنها لا تحلب، ولا تركب إلا من شمالها، وهو الجانب الذي يقال له: الوحشي في قول "الأصمعي" لأنه الشمال.

قال: واليمين هو الإنسي، والأنسي أيضا.

وقال بعضهم: لا ولكن الإنسي هو الذي يأتيه الناس في الاحتلاب والركوب، والوحشي هو الأيمن؛ لأن الدابة لا تؤتى من جانبها الأيمن إنما تؤتى من الأيسر [ ص: 636 ] .

قال "أبو عبيد ": وهذا هو القول عندي لا غير.

وقال "زهير" يذكر بقرة أفزعتها الكلاب، فانصرفت، فقال: فجالت على وحشيها وكأنها مسربلة من رازقي معضد [ ص: 637 ] وقال "ذو الرمة" يصف ثورا في مثل تلك الحال:


فانصاع جانبه الوحشي وانكدرت     يلحبن لا يأتلي المطلوب والطلب

يعني بالطلب: الكلاب.

فعلى هذا أشعارهم.

إنما هو الجانب الوحشي الأيمن؛ لأن الخائف إنما يفر من موضع المخافة إلى موضع الأمن.

التالي السابق


الخدمات العلمية