صفحة جزء
530 - وقال أبو عبيد في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : "تنكح المرأة لميسمها ، ولمالها ، ولحسبها ، عليك بذات الدين تربت يداك " [ ص: 43 ] .

حدثنا أبو عبيد : قال : حدثناه ابن علية ، عن عبيد الله بن العيزار ، عن طلق بن حبيب رفعه .

[قال أبو عبيد ] : أما قوله "لميسمها " فإنه الحسن ، وهو الوسامة ومنه قيل : رجل وسيم وامرأة وسيمة .

وأما قوله : "تربت يداك " فإن أصله أن يقال للرجل إذا قل ماله : قد ترب ، أي : افتقر ، حتى لصق بالتراب ، وقال الله - تبارك وتعالى - : أو مسكينا ذا متربة فيرون - والله أعلم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يتعمد الدعاء عليه بالفقر ، ولكن هذه كلمة جارية على ألسنة العرب يقولونها وهم لا يريدون وقوع الأمر [ ص: 44 ] .

وهذا كقوله [صلى الله عليه وسلم ] لصفية بنت حيي حين قيل له يوم النفر : إنها حائض . فقال : عقرى حلقى ما أراها إلا حابستنا " فأصل هذا معناه : عقرها الله وحلقها . فقوله : عقرها يعني عقر جسدها ، وحلقها أي أصابها الله بوجع في حلقها . هذا كما تقول : قد رأس فلان فلانا : إذا ضرب رأسه ، وصدره : إذا أصاب صدره ، وكذلك حلقه : إذا أصاب حلقه .

قال أبو عبيد : إنما هو عندي عقرا حلقا . قال : وأصحاب الحديث يقولون : عقرى حلقى وقال بعض الناس : بل أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 45 ] بقوله : "تربت يداك " نزول الأمر به عقوبة لتعديه ذوات الدين إلى ذوات المال والجمال . واحتج بقوله - صلى الله عليه وسلم : "اللهم إنما أنا بشر ، فمن دعوت عليه بدعوة ، فاجعل دعوتي عليه رحمة له " . والقول الأول أعجب إلي وأشبه بكلام العرب ، ألا تراهم يقولون : لا أرض لك ولا أم لك ، وهم قد يعلمون أن له أرضا وأما ، وزعم بعض العلماء أن قولهم : لا أبا لك ولا أب لك : مدح ، ولا أم لك : ذم .

قال أبو عبيد : وقد وجدنا قوله لا أم لك قد وضع في موضع المدح أيضا قال كعب بن سعد الغنوي يرثي أخاه :


هوت أمه ما يبعث الصبح غاديا وماذا يؤدي الليل حين يؤوب [ ص: 46 ]

وقد قال بعض الناس : إن قوله : تربت يداك ، يريد به استغنت يداك من الغنى . وهذا خطأ لا يجوز في الكلام . إنما ذهب إلى المترب وهو الغني فغلط ، ولو أراد هذا لقال : أتربت يداك ؛ لأنه يقال : أترب الرجل : إذا كثر ماله ، فهو مترب . وإذا أرادوا الفقر ، قالوا : ترب بترب .

التالي السابق


الخدمات العلمية