صفحة جزء
534 - وقال أبو عبيد في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : "المسلمون تتكافأ دماؤهم ، ويسعى بذمتهم أدناهم ، ويرد عليهم أقصاهم ، وهم يد على من سواهم لا يقتل مسلم بكافر ، ولا ذو عهد في عهده " [ ص: 54 ] .

حدثنا أبو عبيد : قال : حدثناه يحيى بن سعيد القطان ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن الحسن عن قيس بن عباد ، عن علي [كرم الله وجهه ] عن النبي - صلى الله عليه وسلم .

[قال أبو عبيد ] : أما قوله : تتكافأ دماؤهم ، فإنه يريد تتساوى في القصاص والديات ، فليس لشريف على وضيع فضل في ذلك .

ومن هذا قيل : في العقيقة عن الغلام شاتان مكافئتان ، قال : والمحدثون يقولون : شاتان مكافأتان - يقول : متساويتان ، وكل شيء ساوى شيئا حتى يكون مثله فهو مكافئ [له ] ، والمكافأة بين الناس من هذا [ ص: 55 ] .

يقال : كافأت الرجل ، أي فعلت به مثل ما فعل بي ، ومنه الكفء من الرجال للمرأة - كفء وكفئ - . يقال : إنه مثلها في حسبها ، قال الله [تبارك وتعالى ] : ولم يكن له كفوا أحد

وأما قوله : يسعى بذمتهم أدناهم : فإن الذمة الأمان ، يقول : إذا أعطى الرجل منهم العدو أمانا جاز ذلك على جميع المسلمين ليس لهم أن يخفروه كما أجاز عمر [رضي الله عنه ] أمان عبد على جميع أهل العسكر ، وكان "أبو حنيفة " لا يجيز أمان العبد إلا بإذن مولاه .

وأما عمر [رضي الله عنه ] فليس فيه ذكر مولى .

ومنه قول سلمان الفارسي [رضي الله عنه ] "ذمة المسلمين واحدة " والذمة هي الأمان . ولهذا قيل للمعاهد : ذمي ؛ لأنه قد أعطي الأمان على ماله ودمه ؛ للجزية التي تؤخذ منه [ ص: 56 ] .

حدثنا أبو عبيد : قال : حدثنا هشيم ، عن محمد بن قيس ، عن الشعبي قال : لم يكن لأهل السواد عهد ، فلما أخذت منهم الجزية صار لهم عهد ، أو قال : ذمة . الشك من أبي عبيد .

وأما قوله : "يرد عليهم أقصاهم " فإن هذا في الغزو إذا دخل العسكر أرض الحرب ، فوجه الإمام منه السرايا ، فما غنمت من شيء . جعل لها ما سمي لها ، ورد ما بقي على أهل العسكر ؛ لأنهم وإن لم يشهدوا الغنيمة ردءا للسرايا .

وأما قوله : "وهم يد على من سواهم " : فإنه يقول : إن المسلمين جميعا كلمتهم ونصرتهم واحدة على جميع الملل المحاربة لهم يتعاونون على ذلك ويتناصرون ولا يخذل بعضهم بعضا .

وأما قوله : "لا يقتل مؤمن بكافر " فقد تكلم الناس في معنى هذا قديما ، فقال بعضهم : لا يقتل مؤمن بكافر كان قتله في الجاهلية ، وقالوا فيه غير هذا [أيضا ] [ ص: 57 ] .

قال أبو عبيد : وأما أنا فليس له عندي وجه ولا معنى إلا أنه لا يقاد مؤمن بذمي ، وإن قتله عمدا ، ولكن تكون عليه الدية كاملة في ماله . وأما رأي "أبي حنيفة " وجميع أصحابه ، فإنهم يرون أن يقاد به لحديث يروى عن ابن البيلماني .

قال أبو عبيد : سمعت ابن أبي يحيى يحدثه عن ابن المنكدر ، [ عن عبد الرحمن ] . قال أبو عبيد : وسمعت "أبا يوسف " يحدثه عن ربيعة الرأي كلاهما عن ابن البيلماني " .

ثم بلغني عن ابن أبي يحيى أنه قال : أنا حدثت ربيعة [الرأي ] بهذا الحديث إنما دار الحديث على ابن يحيى ، عن ابن المنكدر ، عن عبد الرحمن [ ص: 58 ] بن البيلماني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقاد معاهدا من مسلم ، وقال : "أنا أحق من وفى بذمته " .

[قال أبو عبيد ] : وهذا حديث ليس بمسند ، ولا يجعل مثله إماما يسفك به دماء المسلمين :

قال أبو عبيد : وقد أخبرني عبد الرحمن بن مهدي ، عن عبد الواحد بن زياد .

قال : قلت لزفر : إنكم تقولون : إنا ندرأ الحدود بالشبهات ، وإنكم جئتم إلى أعظم الشبهات فأقدمتم عليها .

قال : وما هو ؟

قلت : المسلم يقتل بالكافر .

قال : فاشهد أنت على رجوعي عن هذا .

قال أبو عبيد : وكذلك قول أهل الحجاز لا يقيدونه به .

وأما قوله : "ولا ذو عهد في عهده " : فإن ذا العهد : الرجل من أهل الحرب [ ص: 59 ] يدخل إلينا بأمان ، فقتله محرم على المسلمين حتى يرجع إلى مأمنه ، وأصل هذا من قول الله - سبحانه - : وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه فذلك قوله : "في عهده" ، يعني : حتى يبلغ المأمن ، أو الوقت الذي يوقته له ، ثم لا عهد له .

قال أبو عبيد : وحدثنا عبد الله بن المبارك ، عن معمر ، عن زياد بن مسلم ، أن رجلا من أهل الهند قدم "عدن " بأمان ، فقتله رجل بأخيه ، فكتب فيه إلى عمر بن عبد العزيز ، فكتب أن يؤخذ منه خمسمائة دينار ، ويبعث بها إلى ورثة المقتول ، وأمر بالقاتل أن يحبس .

قال أبو عبيد : وهكذا كان رأي "عمر بن عبد العزيز [رحمه الله ]

كان يرى دية المعاهد نصف دية المسلم ، فأنزل ذلك الذي دخل بأمان منزلة الذمي ، المقيم مع المسلمين ، ولم ير على قاتله قودا ، ولكن عقوبة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يقتل مسلم بكافر " [ ص: 60 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية