صفحة جزء
548 - وقال أبو عبيد في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - حين ذكر " مكة " . فقال : "لا يختلى خلاها ولا تحل لقطتها إلا لمنشد " [ ص: 95 ] .

حدثنا أبو عبيد : قال : حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين من بني نوفل بن عبد مناف .

ويزيد بن هارون ، عن سليمان التيمي ، عن رجل .

قال : وحدثناه غير واحد .

قال أبو عبيد : فسألت عبد الرحمن بن مهدي عن قوله : "لا تحل لقطتها إلا لمنشد " .

فقال : إنما معناه لا تحل لقطتها ، كأنه يريد البتة ، فقيل له : إلا لمنشد ، فقال : إلا لمنشد ، وهو يريد المعنى الأول [ ص: 96 ] .

قال أبو عبيد : ومذهب عبد الرحمن في هذا التفسير كالرجل يقول : والله لا فعلت كذا وكذا ثم يقول : إن شاء الله وهو لا يريد الرجوع عن يمينه ، ولكنه لقن شيئا فلقنه .

فمعناه : أنه ليس يحل للملتقط منها إلا إنشادها ، فأما الانتفاع بها فلا .

وقال غيره : لا تحل لقطتها إلا لمنشد ، يعني طالبها الذي يطلبها ، وهو ربها . يقول : فليست تحل إلا لربها .

قال أبو عبيد : فهذا حسن في المعنى ، ولكنه لا يجوز في العربية أن يقال للطالب منشد ، إنما المنشد المعرف ، والطالب هو الناشد .

يقال منه : نشدت الضالة أنشدها نشدانا : إذا طلبتها ، فأنا ناشد ، ومن التعريف : أنشدتها إنشادا ، فأنا منشد .

ومما لك أن الناشد هو الطالب حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 97 ] .

أنه سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد ، فقال : أيها الناشد غيرك الواجد . معناه لا وجدت ، كأنه دعا عليه .

وأما قول أبي دؤاد الإيادي وهو يصف الثور ، فقال :


ويصيخ أحيانا كما اسـ ـتمع المضل لصوت ناشد

قال أبو عبيد : فإن الأصمعي أخبرني عن أبي عمرو بن العلاء أنه كان يعجب من هذا .

وأحسبه قال - هو أو غيره - : إنه أراد بالناشد أيضا : رجلا قد ضلت دابته ، فهو ينشدها : يطلبها ليتعزى بذلك .

وفي هذا الحديث قول ثالث . أنه أراد بقوله : إلا لمنشد : أنه إن لم ينشدها ، فلا يحل له الانتفاع بها ، فإذا أنشدها ، فلم يجد طالبها حلت له .

قال أبو عبيد : ولو كان هذا هكذا لما كانت " مكة " مخصوصة بشيء دون البلاد لأن الأرض كلها لا تحل لقطتها إلا بعد الإنشاد ، إن حلت أيضا ، وفي الناس من لا يستحلها . وليس للحديث عندي وجه إلا ما قال "عبد الرحمن " : إنه ليس [ ص: 98 ] لواجدها منها شيء إلا الإنشاد أبدا ، وإلا فلا يحل له أن يمسها [ ص: 99 ] [ ص: 100 ] [ ص: 101 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية