صفحة جزء
553 - وقال أبو عبيد في حديث أبي بكر - رضي الله عنه - أنه أوصى في مرضه ، فقال : "ادفنوني في ثوبي هذين ، فإنما هما للمهل والتراب " .

قال أبو عبيدة : المهل في هذا الحديث : الصديد والقيح . والمهل في غير هذا : كل فلز أذيب .

والفلز : جواهر الأرض من : الذهب ، والفضة ، والنحاس ، وأشباه ذلك : ومنه حديث ابن مسعود .

قال : حدثناه هشيم ، عن عوف ، عن الحسن ، قال : سئل ابن مسعود عن المهل ، فدعا بفضة ، فأذابها ، فجعلت تميع وتلون ، فقال : "هذا من أشبه ما أنتم راءون بالمهل " [ ص: 114 ] .

[قال أبو عبيد ] : أراد تأويل هذه الآية : وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه

قال أبو عبيد : وقوله : تميع : تذوب ، وكل ذائب فهو مائع .

قال أبو عبيدة : والمهل أيضا - في غير هذا - : كل شيء يتحات عن الخبزة من الرماد وغيره إذا أخرجت من الملة .

قال : والملة : الحفرة التي تمل فيها الخبزة .

وقال أبو عمرو : المهل في شيئين :

هو في حديث أبي بكر الصديق الصديد والقيح .

وفي غيره : دردي الزيت ، لم يعرف منه إلا هذا .

قال الأصمعي : حدثني رجل - وكان فصيحا - أن أبا بكر قال : فإنما هما للمهلة والتراب [بالفتح ] .

قال : وبعضهم يكسر الميم : "للمهلة " [ ص: 115 ] .

قال أبو عبيد : والذي أراد الناس في هذا الحديث من الفقه : أنه لا بأس أن يكفن الميت في الشفع من الثياب ، ألا تراه يقول : "في ثوبي هذين" ؟

قال أبو عبيد : والغالب على أمر الناس فيه الوتر .

وفيه أيضا : أنه خلاف قول من يقول : إنهم يتزاورون في أكفانهم ؛ ألا تراه يقول : فإنما هما للمهل والتراب ؟

ومما يشهد على ذلك قول حذيفة حين أتي بكفنه ربطتين ، فقال : "الحي أحوج إلى الجديد من الميت ، إني لا ألبس إلا يسيرا حتى أبدل بهما خيرا منهما أو شرا منهما " .

منه قول محمد بن الحنفية : "ليس للميت من الكفن شيء إنما هو تكرمة للحي " .

قال أبو عبيد : ويروى في بعض الحديث أن أبا بكر قال لعائشة : "في كم ثوبا كفن النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ " .

قالت : في ثلاثة أثواب .

قال : فادفنوني في ثوبي هذين مع ثوب كذا وكذا ، فعلى هذه الرواية يذهب معنى الشفع من الثياب [ ص: 116 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية