صفحة جزء
557 – وقال أبو عبيد في حديث أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - الذي قالت فيه عائشة : "توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوالله لو نزل بالجبال الراسيات ما نزل بأبي لهاضها : اشرأب النفاق ، وارتدت العرب ، فوالله ما اختلفوا في نقطة إلا كان أبي حظها وغناءها في الإسلام [ ص: 121 ] .

وكانت مع هذا تقول : ومن رأي "عمر " علم أنه خلق غناء للإسلام ، كان والله أحوذيا نسيج وحده ، قد أعد للأمور أقرانها " .

قال : حدثناه يزيد ، ومعاذ كلاهما ، عن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة ، عن عبد الواحد بن أبي عون ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة .

قال الأصمعي وغيره : قولها : لهاضها : الهيض الكسر بعد جبور العظم ، وهو أشد ما يكون من الكسر ، وكذلك الناس في المرض بعد الاندمال ، قال ذو الرمة :


ووجه كقرن الشمس حر كأنما تهيض بهذا القلب لمحته كسرا

[ ص: 122 ] وقال القطامي :


إذا ما قلت قد جبرت صدوع     تهاض وما لما هيض اجتبار

وقولها : اشرأب النفاق ، يعني : ارتفع وعلا ، وكل رافع رأسه مشرئب .

ومنه الحديث المرفوع : "إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار أتي بالموت في صورة كبش أملح ، ثم نودي يا أهل الجنة ، ويا أهل النار ؛ فيشرئبون لصوته ، ثم يذبح على الصراط ، فيقال : خلود لا موت .

وقال ذو الرمة - يذكر امرأة شبهها بظبية - :


ذكرتك أن مرت بنا أم شادن     أمام المطايا تشرئب وتسنح

وقولها في عمر : كان والله أحوزيا رواها بالزاي ، وبعضهم يرويها بالذال - أحوذيا .

قال الأصمعي : الأحوذي : المشمر في الأمور ، القاهر لها ، الذي لا يشذ عليه منها [ ص: 123 ] شيء ، هذا وما أشبهه من الكلام ، قال لبيد يصف حمارا وأتنا :


إذا اجتمعت وأحوذ جانبيها     وأوردها على عوج طوال

[قال الأصمعي ] : قوله : أحوذ جانبيها ، يعني : ضمها ، فلم يفته منها شيء قال : وأما "الأحوزي " فإنه السائق الحسن السياق ، وفيه مع سياقه بعض النفار . وكان أبو عمرو يقول : الأحوذي : الخفيف ، والأحوزي مثله ، وقال "العجاج " :

يحوزهن وله حوزى

كما يحوز الفئة الكمي

وقولها : "نسيج وحده" يعني : أنه ليس له شبه في رأيه ، وجميع أمره .

قال الراجز :

جاءت به معتجرا ببرده

سفواء تخدى بنسيج وحده [ ص: 124 ] والعرب تنصب "وحده " في الكلام كله لا ترفعه ولا تخفضه إلا في ثلاثة أحرف : "نسيج وحده ، وعيير وحده ، وجحيش وحده" ، فإنهم يخفضونها ثم فسرت العلماء نصبه في قولهم : "وحده " فقال " أهل البصرة : "

إنما نصبوا وحده على مذهب المصدر ، أي : توحد وحده .

وقال أصحابنا : إنما انتصب على مذهب الصفة .

[قال أبو عبيد ] : وقد يدخل فيه الأمران جميعا .

التالي السابق


الخدمات العلمية