صفحة جزء
579 - وقال أبو عبيد في حديث عمر [رضي الله عنه ] حين خرج إلى الاستسقاء ، فصعد المنبر ، فلم يزد على الاستغفار حتى نزل ، فقيل له : إنك لم تستسق ، فقال : "لقد استسقيت بمجاديح السماء " .

قال : حدثناه هشيم ، وأبو يوسف جميعا قالا : أخبرنا مطرف [بن طريف ] ، عن الشعبي ، عن عمر .

قال "أبو عمرو " : المجاديح ، واحدها مجدح ، وهو : نجم من النجوم كانت العرب : تقول : إنه يمطر به . كقولهم في الأنواء .

قال : فسألت عنه الأصمعي ، فلم يقل فيه شيئا ، وكره أن يتأول على عمر مذهب الأنواء [ ص: 158 ] .

وقال الأموي : يقال فيه أيضا : إنه المجدح - بالضم - وأنشدنا :


وأطعن بالقوم شطر الملو ك حتى إذا خفق المجدح

والذي يراد من هذا الحديث أنه جعل الاستغفار استسقاء ، يتأول قول الله - تبارك وتعالى - استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا

وإنما نرى أن "عمر " تكلم بهذا على أنها كلمة جارية على ألسنة العرب ، ليس على تحقيق الأنواء ، ولا [على ] التصديق بها .

وهذا شبيه بقول ابن عباس [رحمه الله ] - في رجل جعل أمر امرأته بيدها ، فطلقته ثلاثا ، فقال : خطأ الله نوءها ، ألا طلقت نفسها ثلاثا " .

ليس هذا منه دعاء عليها ألا تمطر ، إنما هو على الكلام المقول .

ومما يبين لك أن عمر أراد إبطال الأنواء ، والتكذيب بها ، قوله : "لقد استقيت بمجاديح السماء التي يستنزل بها الغيث " فجعل الاستغفار هو المجاديح ، لا الأنواء [ ص: 159 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية