صفحة جزء
584 - وقال أبو عبيد في حديث عمر [رضي الله عنه ] في أسيفع جهينة أنه خطب ، فقال : "ألا إن الأسيفع أسيفع جهينة رضي من دينه وأمانته ، بأن يقال : سابق الحاج - أو قال : سبق الحاج - فادان معرضا ، فأصبح قد رين [ ص: 168 ] به ، فمن كان له عليه دين فليغد بالغداة ، فلنقسم ماله بينهم بالحصص " .

قال : حدثنيه أبو النضر ، عن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة ، عن ابن دلاف ، عن عمر .

قال أبو زيد الأنصاري : قوله : فادان معرضا : يعني استدان معرضا ، وهو الذي يعترض الناس ، فيستدين ممن أمكنه .

قال الأصمعي : وكل شيء أمكنك من عرضه ، فهو معرض لك ، ومن هذا قول الناس : هذا الأمر معرض لك ، إنما هو بكسر الراء [بهذا المعنى ] ، ومنه قول عدي بن زيد . . . :


سره حاله وكثرة ما يمـ ـلك والبحر معرضا والسدير

[قال أبو عبيد ] : ويروى : والنخل ، ويروى : معرض بالرفع [أيضا ] [ ص: 169 ] .

قال أبو عبيد : وقوله : فأصبح قد رين به . قال أبو زيد : يقال : قد رين بالرجل رينا : إذا وقع فيما لا يستطيع الخروج منه ، ولا قبل له به .

وقال القنائي الأعرابي : رين به : انقطع به .

قال أبو عبيد : وهذا المعنى شبيه بما قال أبو زيد ؛ لأنه إذا أتاه ما لا قبل له به ، فهو منقطع به ، وكذلك كل ما غلبك وعلاك ، فقد ران بك ، وران عليك ، [ ص: 170 ] ومنه قول الله - عز وجل - : كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون

قال : حدثنا عباد بن القوام ، عن عاصم ، عن الحسن في هذه الآية قال : هو الذنب على الذنب ، حتى يسود القلب .

[قال أبو عبيد ] : وهذا من الغلبة عليه أيضا .

وكذلك قول أبي زبيد يصف رجلا شرب حتى غلبه الشراب سكرا ، فقال :


ثم لما رآه رانت به الخمـ     ـر ألا ترينه باتقاء

فقوله : رانت به الخمر : أي غلبت على قلبه وعقله .

قال الأموي : ويقال أيضا : قد أران القوم ، فهم مرينون : إذا هلكت مواشيهم ، أو هزلت ، وهذا من الأمر الذي أتاهم مما يغلبهم ، ولا يستطيعون احتماله .

وفي هذا الحديث من الفقه أنه باع عليه ماله ، وقسمه بين الغرماء .

وهذا مثل حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - في معاذ بن جبل أنه كان رجلا سخيا ، فركبه الدين ، فخلعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ماله للغرماء . وبهذا يقضي أهل الحجاز ، وبه كان يحكم أبو يوسف . فأما "أبو حنيفة " فإنه كان لا يرى أن يبيع عليه ماله ، ولكنه كان يقول : يحبس أبدا ، حتى يموت ، أو يقضي ما عليه [كان عنده ، أو لم يكن ] [ ص: 171 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية