صفحة جزء
586 - وقال أبو عبيد في حديث عمر [رضي الله عنه ] حين قيل [ ص: 172 ] له : "إن النساء قد اجتمعن يبكين على خالد بن الوليد ، فقال : "وما على نساء بني المغيرة أن يسفكن من دموعهن على "أبي سليمان " ما لم يكن نقع ولا لقلقة " .

قال : حدثناه جرير ، عن منصور ، عن أبي وائل ، عن عمر .

قال : وحدثنا مروان بن معاوية الفزاري ، عن الحسن بن عمرو ، عن أبي وائل ، عن عمر مثله ، إلا أنه زاد فيه : "أن يسفكن من دموعهن وهن جلوس " .

قال "الكسائي " في قوله : "نقع ولا لقلقة " : النقع : صنعة الطعام ، يعني في المأتم يقال منه : نقعت أنقع نقعا .

قال أبو عبيد : وغير هذا التأويل أحب إلي منه ، وذلك أن الكسائي ذهب بالنقع [ ص: 173 ] إلى النقيعة ، وإنما النقيعة عند غيره من العلماء صنعة الطعام عند القدوم من سفر لا في المأتم ، قال الشاعر :


إنا لنضرب بالسيوف رؤوسهم ضرب القدار نقيعة القدام

يعني بالقدام القادمين من السفر . وقد قال بعضهم : القدام : الملك .

والكلام الأول أشبه .

والقدار : الجزار .

وأما النقع الذي في حديث "عمر " فإنه عندنا رفع الصوت .

على هذا رأيت قول الأكثر من أهل العلم ، وهو أشبه بالمعنى .

ومنه قول "لبيد " :


فمتى ينقع صراخ صادق     يحلبوها ذات جرس وزجل

يقول : متى ما سمعوا صارخا أحلبوا الحرب . يقول : جمعوا له .

وقوله : ينقع صراخ ، يعني رفع الصوت ، ومما يحقق ذلك المعنى حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : "ليس منا من صلق أو حلق أو خرق " .

فقوله : صلق يعني رفع الصوت ، يقال : بالسين والصاد [ ص: 174 ] .

وقال بعضهم : يريد عمر بالنقع : وضع التراب على الرأس ، يذهب إلى أن النقع هو الغبار ، ولا أحسب "عمر " ذهب إلى هذا ، ولا خافه منهن وكيف يبلغ خوفه ذا ، وهو يكره لهن القيام ، فقال : يسفكن من دموعهن وهن جلوس .

وقال بعضهم : النقع : شق الجيوب ، وهذا الذي لا أدري ما هو ولا أعرفه ، وليس النقع عندي في هذا الحديث إلا الصوت الشديد .

وأما اللقلقة : فشدة الصوت ، لم أسمع فيها اختلافا .

التالي السابق


الخدمات العلمية