صفحة جزء
620 - وقال أبو عبيد في حديث عمر - رضي الله عنه - أنه أتي في نساء أو إماء ساعين في الجاهلية ، فأمر بأولادهن أن يقوموا على آبائهم ، ولا يسترقوا " .

قال : حدثناه ابن علية ومعاذ ، عن ابن عون ، قال : أنبأني غاضرة العنبري أنهم أتوا عمر في ذلك .

قال أبو عبيد : وأخبرني الأصمعي أنه سمع ابن عون يذكر هذا الحديث ، قال : فقلت لابن عون : إن المساعاة لا تكون في الحرائر ، إنما تكون في الإماء .

قال : فجعل ابن عون ينظر إلي .

قال أبو عبيد : ومعنى المساعاة : الزنا ، وإنما خص الإماء بالمساعاة دون الحرائر ؛ لأنهن كن يسعين على مواليهن ، فيكسبهن لهم بضرائب كانت عليهن ، وفي ذلك نزلت هذه الآية : ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا إلى آخر الآية [ ص: 235 ] .

قال [ أبو عبيد ] : أخبرنيه يحيى بن سعيد ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر بن عبد الله ، قال :

كانت أمة لعبد الله بن أبي [بن سلول ] - وكان يكرهها على الزنا - فنزلت الآية : (ومن يكرهن فإن الله من بعد إكراههن [لهن] غفور رحيم)

[قال أبو عبيد ] : هكذا قرأها .

قال : وحدثني إسحاق الأزرق ، عن عوف ، عن الحسن في هذه الآية ، قال : لهن والله . لهن والله .

وقال الأعشى :


يهب الجلة الجراجر كالبستا ن تحنو لدردق أطفال

    والبغايا يركضن أكسية الإضـ
ـريج والشرعبي ذا الأذيال

يريد بالبغايا : الإماء ؛ لأنهن كن يفجرن .

وقوله : يهب الجلة ، ويهب البغايا : يبين لك أن هذا لا يقع إلا على الإماء .

قال أبو عبيد : وكان الحكم في الجاهلية أن الرجل إذا وطئ أمة رجل فجاءت بولد ، فادعاه في الجاهلية ، فإن حكمهم كان أن يكون ولده ، لاحق النسب به ، ولهذا المعنى اختصم عبد بن زمعة وسعد بن مالك في ابن أمة زمعة [ ص: 236 ] إلى النبي - صلى الله عليه [وسلم ] - فقال سعد : ابن أخي ، عهد إلي فيه أخي ، وقال عبد بن زمعة : أخي ، ولد على فراش أبي ، فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالولد للفراش ، وأبطل ما كان من حكم الجاهلية أن يكون لاحق النسب .

وقضى عمر أن الدعوى - إذا كانت في الإسلام ، وليس سيد الجارية بالمدعي - للولد - كما ادعى عبد بن زمعة أخاه - أن يكون حرا لاحق النسب ، وتكون قيمته على أبيه لمولى الجارية .

ومنه حديث له آخر ، قال : حدثناه أبو معاوية ، عن يحيى بن سعيد ، عن سليمان بن يسار ، أن "عمر " كان يلحق أولاد الجاهلية بمن ادعاهم في الإسلام .

قال أبو عبيد : فإذا كان الوطء والدعوى جميعا في الإسلام ، فدعوته باطلة ، وهو مملوك ؛ لأنه عاهر .

وقال النبي - صلى الله عليه [وسلم ] : "الولد للفراش وللعاهر الحجر " .

[قال أبو عبيد ] : ولعمر [رحمه الله ] أيضا حكم آخر في الرق ، فيما [ ص: 237 ] كانت العرب تسابي في الجاهلية ، فيأتي الإسلام ، والمسبي في يده كالمملوك له ، فحكم "عمر " - في مثل هذا - أن يرد حرا إلى نسبه ، وتكون قيمته عليه ، يؤديها إلى الذي سباه ؛ لأنه أسلم وهو في يده .

قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، عن الشعبي ، قال : لما قام "عمر " قال : ليس على عربي ملك ، ولسنا بنازعين من يد رجل شيئا أسلم عليه ، ولكنا نقومهم الملة خمسا من الإبل .

قال : فسألت "محمدا " عن تأويله ، ففسره نحوا مما قلت لك ، يعني أنه ليس على هؤلاء الذين سبوا ملك ؛ لأنهم عرب ، ثم قال : ولسنا بنازعين من يد رجل شيئا أسلم عليه .

يقول : هذا الذي في يديه [من ] السبي لا ننزعه من يده بلا عوض ؛ لأنه أسلم عليه ، ولا نتركه مملوكا وهو من العرب ، ولكنه يقوم . قيمته خمسا من الإبل للذي سباه ، ويرجع إلى نسبه عربيا كما كان .

ولعمر أيضا في السباء حكم ثالث ، وذلك أن الرجل من الملوك كان ربما غلب على البلاد ، حتى يستعبد أهلها ، فيجوز حكمه فيهم ، كما يجوز في مماليكه ، وعلى هذا عامة ملوك العجم اليوم - الذين في أطراف الأرض - يهب منهم من شاء ، ويصطفي لنفسه ما شاء ؛ ولهذا ادعى الأشعث بن قيس رقاب "أهل [ ص: 238 ] نجران" ، وكان استعبدهم في الجاهلية ، فلما أسلموا أبوا عليه .

قال : حدثناه ابن علية ، عن أيوب ، عن ابن سيرين ، أن الأشعث خاصم "أهل نجران " إلى "عمر " في رقابهم ، فقالوا : يا أمير المؤمنين إنا إنما كنا عبيد مملكة ، ولم نكن عبيد قن .

قال : فتغيظ عليه "عمر " ، وقال : أردت أن تغفلني .

قال : وكذلك حدثناه معاذ ، عن ابن عون ، عن ابن سيرين ، عن "عمر " إلا أنه قال : قال له "عمر " : أردت أن تعنتني .

قال الكسائي : القن : أن يكون ملك وأبواه ، والمملكة : أن يغلب عليهم تملكا ، وليس سباء .

وفي هذا الحديث أصل لكل من ادعى رقبة رجل ، وأنكر المدعى عليه أن القول قوله ، ألا تراه جعل القول قول "أهل نجران" ؟

ولعمر أيضا في الولد حكم آخر .

قال : حدثنيه ابن مهدي ، عن سفيان ، عن أيوب بن موسى ، عن سلمان بن يسار ، عن "عمر " : أنه قضى في ولد المغرور غرة .

يعني الرجل يزوج رجلا مملوكة على أنها حرة ، فقضى أن يغرم الزوج لمولى الأمة غرة ، ويكون ولده حرا ، ويرجع الزوج على من غره بما غرم [ ص: 239 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية