صفحة جزء
628 - وقال " أبو عبيد " في حديث "عمر " [ - رضي الله عنه - ] : أنه خطب الناس ، فقال : "إن بيعة أبي بكر [ - رضوان الله عليه - ] كانت فلتة وقى الله شرها " [ ص: 251 ] .

قال [ " أبو عبيد " ] : حدثنيه "أبو نوح قراد " عن "شعبة " عن "سعد بن إبراهيم " عن "عبيد الله بن عبد الله بن عتبة " عن "ابن عباس " عن "عبد الرحمن بن عوف " قال : خطبنا "عمر " ، فذكر ذلك ، وزاد فيه : "وإنه لا بيعة إلا عن مشورة ، وأيما رجل بايع عن غير مشورة ، فلا يؤمر واحد منهما ؛ تغرة أن يقتلا " .

قال "شعبة " : فقلت "لسعد " : ما تغرة أن يقتلا ؟ فقال : عقوبتهما لا يؤمر واحد منهما .

قال " أبو عبيد " : وهذا مذهب ذهب إليه "سعد " تحقيقا لقول "عمر " : "لا يؤمر واحد منهما" ، وهو مذهب حسن .

ولكن التغرة في الكلام ليست بالعقوبة ، وإنما التغرة : التغرير ، يقال : غررت بالقوم تغريرا ، وتغرة ، وكذلك يقال في المضاعف خاصة ، كقوله : حللت اليمين تحليلا وتحلة ، قال الله - تبارك وتعالى - : قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم وكذلك : عللت المريض تعليلا ، وتعلة ، وإنما هذا في المضاعف في فعلت .

وإنما أراد "عمر " أن في بيعتهما تغريرا بأنفسهما للقتل ، وتعرضا لذلك ، فنهاهما عنه لهذا ، وأمر ألا يؤمر واحد منهما ؛ لئلا يطمع في ذلك ، فيفعل هذا الفعل [ ص: 252 ] .

وأما قوله : "فلتة " : فإن معنى الفلتة : الفجاءة ، وإنما كانت كذلك ؛ لأنه لم ينتظر بها العوام ، وإنما ابتدرها أكابر أصحاب "محمد" - صلى الله عليه وسلم - من المهاجرين ، وعامة الأنصار ، إلا تلك الطيرة التي كانت من بعضهم ، ثم أصفقوا له كلهم ، لمعرفتهم أن ليس لأبي بكر منازع ، ولا شريك في الفضل ، ولم يكن يحتاج في أمره إلى نظر ، ولا مشاورة ؛ فلهذا كانت الفلتة ، وبها وقى الله الإسلام وأهله شرها ، ولو علموا أن في أمر "أبي بكر " شبهة ، وأن بين الخاصة والعامة فيه اختلافا ، ما استجازوا الحكم عليهم بعقد البيعة ، ولو استجازوه ما أجازوه الآخرون ، إلا لمعرفة منهم به متقدمة ، فهذا تأويل قوله : "كانت فلتة وقى الله شرها" .

التالي السابق


الخدمات العلمية