صفحة جزء
667 - وقال " أبو عبيد " في حديث "عمر " [رضي الله عنه ] : "ليس الفقير الذي لا مال له ، إنما الفقير الأخلق الكسب " .

قد تأوله بعضهم على ضعف الكسب ، ولست أرى هذا شيئا ، من جهتين : إحداهما : أنه ذهب إلى مثل خلوقة الثوب ، ولو أراد ذلك ، لقال : الخلق الكسب ؛ لأنه إنما يقال : ثوب خلق ، ولا يقال : ثوب أخلق ، إلا أن تريد أن الثوب فعل ذلك ، فإنه [قد ] يقال : قد خلق الثوب ، وأخلق ، ولا يقال : هذا ثوب أخلق .

والجهة الأخرى : أنه إذا حمله على هذا ، فقد رد المعنى إلى الفقر أيضا ، فكيف يقول : الفقير الذي لا مال له ، والذي لا يكتسب المال [ ص: 301 ] .

ولكن وجهه عندي : أنه جعله مثلا للرجل الذي لا يرزأ في ماله ، ولا يصاب بالمصائب ، وأصل هذا أنه يقال للجبل المصمت - الذي لا يؤثر فيه شيء - : أخلق" والصخرة خلقاء : إذا كانت كذلك ، قال "الأعشى " :


قد يترك الدهر في خلقاء راسية وهيا وينزل منها الأعصم الصدعا

فأراد "عمر " أن الفقر الأكبر إنما هو فقر الآخرة ، لمن لم يقدم من ماله شيئا يثاب عليه هناك .

وهذا كنحو حديث "النبي" - عليه السلام - : "ليس الرقوب الذي لا يبقى له ولد ، إنما الرقوب الذي لم يقدم من ولده شيئا " .

التالي السابق


الخدمات العلمية