صفحة جزء
702 - وقال " أبو عبيد " في حديث "علي " - رضي الله عنه - : "إن المرء المسلم ما لم يغش دناءة يخشع لها إذا ذكرت ، وتغرى به [ ص: 361 ] لئام الناس - كالياسر الفالج - ينتظر فوزة من قداحه ، أو داعي الله ، فما عند الله خير للأبرار " .

قال : حدثنيه "أبو بدر " عن "عبد الرحمن بن زبيد اليامي " ، عمن حدثه عن "علي " .

ويروى أيضا عن "عوف " ، عن رجل من أهل الكوفة ، عن "علي " .

قال " أبو عبيدة " و"أبو عمرو " " والأصمعي " وغيرهم - دخل كلام بعضهم في بعض - قوله : الياسر : هو من الميسر ، وهو : القمار الذي كان أهل الجاهلية يفعلونه ، حتى نزل القرآن بالنهي عنه ، في قوله [تعالى ] إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه الآية .

وكان أمر الميسر : أنهم كانوا يشترون جزورا ، فينحرونها ، ثم يجزئونها أجزاء ، وقد اختلفوا في عدد الأجزاء ، فقال "أبو عمرو " : على عشرة أجزاء ، وقال " الأصمعي " : على ثمانية وعشرين جزءا ، ولم يعرف " أبو عبيدة " [ ص: 362 ] لها عددا ، ثم يسهمون عليها بعشرة قداح ، لسبعة منها أنصباء ، وهي الفذ ، والتوأم ، والرقيب ، والحلس ، والنافس ، والمسبل ، والمعلى ، وثلاثة منها ليست لها أنصباء ، وهي : المنيح ، والسفيح ، والوغد ، ثم يجعلونها على يدي رجل عدل عندهم ، يجيلها لهم باسم رجل رجل ، ثم يقتسمونها على قدر ما تخرج لهم السهام ، فمن خرج سهمه من هذه السبعة التي لها أنصباء أخذ من الأجزاء بحصة ذلك ، فإن خرج له واحد من الثلاثة ، فقد اختلف الناس في هذا الموضع ، فقال بعضهم : من خرجت باسمه لم يأخذ شيئا ، ولم يغرم ، ولكن يعاد الثانية ، ولا يكون له نصيب ، ويكون لغوا ، وقال بعضهم : بل يصير ثمن هذه الجزور كله على أصحاب هؤلاء الثلاثة ، فيكونون مقمورين ، ويأخذ أصحاب السبعة أنصباءهم على ما خرج لهم ، فهؤلاء الياسرون .

قال "أبو عبيد " : ولم أجد علماءنا يستقصون معرفة علم هذا ، ولا يدعونه كله ، ورأيت "أبا عبيدة " أقلهم ادعاء لعلمه .

قال " أبو عبيدة " : وقد سألت عنه الأعراب ، فقالوا : لا علم لنا بهذا ؛ لأنه شيء قد قطعه الإسلام منذ جاء ، فلسنا ندري كيف كانوا ييسرون .

قال " أبو عبيد " : فالياسرون : هم الذين يتقامرون على الجزور ، وإنما كان هذا في أهل الشرف منهم ، والثروة والجدة ، وكانوا يفتخرون به ، وقال "الأعشى " يمدح قوما [ ص: 363 ] :


المطعمو الضيف إذا ما شتوا والجاعلو القوت على الياسر

وقال "طرفة " :


فهم أيسار لقمان إذا     أغلت الشتوة أبداء الجزر

وهو كثير في أشعارهم ، فأراد "علي " بقوله : "كالياسر الفالج ينتظر فوزة من قداحه ، أو داعي الله ، فما عند الله خير للأبرار" يقول : هو بين خيرتين : إما صار إلى ما يحب من الدنيا ، فهو بمنزلة "المعلى" وغيره من القداح التي لها حظوظ ، أو بمنزلة التي لا حظوظ لها - يعني الموت - ، فيحرم ذلك في الدنيا ، وما عند الله خير له .

والفالج : القامر ، يقال : قد فلج عليهم ، وفلجهم ، وقال الراجز في الفالج :


لما رأيت فالجا قد فلجا

ومما يبين لك أنه أراد بالحرمان في الدنيا "المنيح" حديث يروى عن " جابر بن عبد الله " قال : "كنت منيح أصحابي يوم بدر " [ ص: 364 ] .

قال : حدثنيه "محمد بن عبيد " عن "الأعمش " عن "أبي سفيان " عن "جابر " .

[قال ] فكان أصحاب الحديث يحملون هذا على استقاء الماء لهم ، وليس هذا من استقاء الماء في شيء ، إنما أراد أنه لم يأخذ سهما من الغنيمة يومئذ لصغر سنه ، قال "العجاج " يذكر فرسا سبق خيلا :

ساقطها بنفس مريح

عطف المعلى صك بالمنيح

يعني أنه سبقها كما قمر المعلى المنيح ، وقال "الكميت " :


فمهلا يا قضاع فلا تكوني     منيحا في قداح يدي مجيل

يعني في انتسابهم إلى اليمن ، وتركهم النسب الأول [ ص: 365 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية