صفحة جزء
حديث عبد الله بن مسعود

رضي الله عنه

742 - وقال " أبو عبيد " في حديث " عبد الله بن مسعود" [ - رحمه الله - ] : " جردوا القرآن، ليربو فيه صغيركم، ولا ينأى عنه كبيركم، فإن الشيطان يخرج من البيت تقرأ فيه سورة البقرة"

قال: حدثنيه " غندر" و " حجاج" ، عن " شعبة" ، عن " سلمة بن كهيل" ، عن " أبي الأحوص" ، عن " عبد الله".

[قال " أبو عبيد ": و] قد اختلف الناس في تفسير قوله: " جردوا القرآن".

فكان " إبراهيم" يذهب به إلى نقط المصاحف.

قال: حدثناه " هشيم" قال: أخبرنا " مغيرة" ، عن " إبراهيم" أنه كان يكره نقط المصاحف، ويقول: جردوا القرآن، ولا تخلطوا به غيره [ ص: 56 ] .

[قال " أبو عبيد "] : وإنما نرى [أن] " إبراهيم" كره هذا مخافة أن ينشأ نشء يدركون المصاحف منقوطة، فيرون أن النقط من القرآن ولهذا المعنى كره من كره الفواتح والعواشر.

قال: حدثنا " أبو بكر بن عياش" ، عن " أبي حصين" ، عن " يحيى بن وثاب" ، عن " مسروق" ، عن " عبد الله" أنه كره التعشير في المصحف، وهذا وجه تأويل قوله: جردوا القرآن [ ص: 57 ] .

وقد روي في حديث آخر عن " عبد الله" أن رجلا قرأ عنده، فقال: أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، فقال " عبد الله": جردوا القرآن".

وقد ذهب به كثير من الناس إلى أن يتعلم وحده، وتترك الأحاديث.

قال " أبو عبيد ": وليس هذا عندي بوجه، وكيف يكون " عبد الله" أراد هذا، وهو يحدث عن " النبي" [ - صلى الله عليه وسلم - ] بحديث كثير، ولكنه عندي ما ذهب إليه " إبراهيم" ، وما ذهب إليه " عبد الله" نفسه.

وفيه وجه آخر هو عندي من أبين هذه الوجوه، أنه أراد بقوله: " جردوا القرآن" أنه حثهم على ألا يتعلم شيء من كتب الله تبارك وتعالى غيره، لأن ما خلا القرآن من كتب الله - جل ثناؤه - إنما تؤخذ عن " اليهود" و " النصارى" وليسوا بمأمونين عليها، وذلك بين في حديث [آخر] من [ ص: 58 ] " عبد الله" نفسه.

قال: حدثناه " محمد بن عبيد" ، عن " هارون بن عنترة" ، عن " عبد الرحمن بن الأسود" ، عن " أبيه" قال: أصبت أنا و " علقمة" صحيفة فانطلقنا إلى " عبد الله" ، فقلنا: هذه صحيفة فيها حديث حسن، قال: فجعل " عبد الله" يمحوها بيده، ويقول: نحن نقص عليك أحسن القصص ثم قال: " إن هذه القلوب أوعية، فاشغلوها بالقرآن، ولا تشغلوها بغيره".

وكذلك حديثه الآخر: " لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء، فعسى أن يحدثوكم بحق، فتكذبوا به، أو بباطل فتصدقوا به، كيف يهدونكم، وقد أضلوا أنفسهم" ومنه حديث " النبي" - صلى الله عليه وسلم - حين أتاه " عمر" بصحيفة أخذها من بعض أهل الكتاب، فغضب، وقال: " أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب" والحديث في كراهة هذا كثير [ ص: 59 ] .

فأما مذهب من ذهب إلى ترك أحاديث " النبي" - صلى الله عليه وسلم - فهذا باطل، لأن فيه إبطال السنن .

ومما يبين ذلك حديث " عمر" حين وجه الناس إلى العراق، فقال:

" جردوا القرآن، وأقلوا الرواية عن رسول الله [ - صلى الله عليه وسلم - ] وأنا شريككم".

قال: حدثناه " أبو بكر" ، عن " أبي حصين" يرفعه إلى " عمر" وذلك أنه كان روى الكراهة في هذا عن " النبي" - عليه السلام - .

ففي قوله: " أقلوا الرواية عن رسول الله [ - صلى الله عليه وسلم - ] " أنه لم يرد بتجريد القرآن ترك الرواية عن " النبي" - صلى الله عليه وسلم - وقد رخص في القليل منه، فهذا يبين أنه لم يأمر بترك حديث " النبي" - صلى الله عليه وسلم - ولكنه أراد عندنا علم أهل الكتب، للحديث الذي سمع من [ ص: 60 ] " النبي" - عليه السلام - فيه حين قال: " أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟ " ومع هذا أنه كان يحدث عن " النبي" [ - صلى الله عليه وسلم - ] بحديث كثير.

التالي السابق


الخدمات العلمية