صفحة جزء
145 - وكقوله -صلى الله عليه وسلم-: " ما من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن ".

فهذا وأمثاله مما صح نقله عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإن مذهبنا فيه ومذهب السلف إثباته وإجراؤه على الظاهر، ونفي الكيفية والتشبيه [ ص: 288 ] عنه، وقد نفى قوم الصفات فأبطلوا ما أثبته الله تعالى، وتأولها قوم خلاف الظاهر؛ فخرجوا من ذلك إلى ضرب من التعطيل والتشبيه، والقصد إنما هو سلوك الطريقة المتوسطة بين الأمرين؛ لأن دين الله تعالى بين الغالي والمقصر عنه .

والأصل في هذا أن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات، وإثبات الله تعالى إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات صفاته، إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية، فإذا قلنا: يد، وسمع، وبصر، ونحوها، فإنما هي صفات أثبتها الله لنفسه، ولم يقل معنى اليد القوة، ولا معنى السمع والبصر: العلم والإدراك، ولا نشبهها بالأيدي والأسماع والأبصار، ونقول: إنما وجب إثباتها؛ لأن الشرع ورد بها، ووجب نفي التشبيه عنها لقوله تعالى: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، كذلك قال علماء السلف في أخبار الصفات: أمروها كما جاءت. فإن قيل: فكيف يصح الإيمان بما لا يحيط علمنا بحقيقته؟ أو كيف يتعاطى وصف شيء لا درك له في عقولنا؟

فالجواب: أن إيماننا صحيح بحق ما كلفنا منها، وعلمنا محيط بالأمر الذي ألزمناه فيها، وإن لم نعرف لما تحتها حقيقة كافية، كما قد [ ص: 289 ] أمرنا أن نؤمن بملائكة الله وكتبه ورسله واليوم الآخر، والجنة ونعيمها، والنار وأليم عذابها، ومعلوم أنا لا نحيط علما بكل شيء منها على التفصيل، وإنما كلفنا الإيمان بها جملة واحدة، ألا ترى أنا لا نعرف أسماء عدة من الأنبياء وكثير من الملائكة، ولا يمكننا أن نحصي عددهم، ولا أن نحيط بصفاتهم، ولا نعلم خواص معانيهم، ثم لم يكن ذلك قادحا في إيماننا (بما) أمرنا أن نؤمن به من أمرهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية