صفحة جزء
فصل

في إعجاز القرآن

قال بعض العلماء: الوجوه التي يعرف بها إعجاز القرآن نقض العادة المألوفة، ونقض العادة بالقرآن يعرف من وجوه:

منها وروده على مراتب البلاغة مع ضيق مطالبه، وحسن مصادره وموارده بصدق الحكايات، وتحقيق المعاني، والإصابة في تسديد أوامره وزواجره، وتحسين مواعظه وأمثاله.

وقد علم أن في مراعاة الصدق في الحكاية والتحقيق للمعاني حبسة للسان، وقيدا على الإنسان يمنعه التوسع في كثير مما يزين به كلامه.

ومنه إعراض العرب عن معارضته، وانصرافهم عن منازعته، وهم العدد الكثير، والجم الغفير مع شدة حميتهم وقوة عصبيتهم، وتوفر فطنهم، وتمكنهم من أنواع البلاغة، واقتدارهم على وجوه الفصاحة مع ما وقع بهم [ ص: 351 ] من التحدي البليغ، وشدة التقريع، فلم يكونوا ينصرفوا عن هذا الباب إلا للعجز عن الوفاء به.

ومن ذلك حسن انتظامه بتشاكل سوره وكلماته، وتشابه فصوله وآياته في براعته وفصاحته، وعذوبة لفظه ونصاعته مع اختلاف موارده، وتباين جهاته ومقاصده .

ومن ذلك الإخبار عن الغيوب، وإظهار أسرار القلوب، والإنباء بما كان ويكون، فتحقق الصدق في أخباره، وتبين الوفاء بمواعيده.

ومن ذلك ظهوره على يد من لم يعرف قط بدرس كتاب، ولا نظر في حساب، ولا تعلم للعلوم، ولا لأحكام النجوم، ولا طلب للآثار والأخبار. قال الله -عز وجل-: وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون .

التالي السابق


الخدمات العلمية