صفحة جزء
فصل

في إعجاز القرآن بأسلوبه

ومن إعجاز القرآن صنيعه بالقلوب، وتأثيره في النفوس، فإنك لا تسمع كلاما غير القرآن منظوما ولا منثورا، إذا قرع السمع خلص له إلى القلب من اللذة والحلاوة في حال، ومن الروعة والمهابة في أخرى ما يخلص منه، إليه تستبشر به النفوس، وتنشرح له الصدور حتى إذا أخذت حظها منه عادت مرتاعة قد عراها الوجيب والقلق، وتغشاها الخوف والفرق تقشعر منه الجلود، وتنزعج له القلوب، يحول بين النفس وبين مضمراتها وعقائدها [ ص: 360 ] الراسخة فيها، فكم من عدو لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- من رجال العرب وفتاكها أقبلوا إليه يريدون اغتياله وقتله، فسمعوا آيات من القرآن فلم يلبثوا حين وقعت في مسامعهم أن يتحولوا عن رأيهم الأول، وأن يركنوا إلى مسالمته، ويدخلوا في دينه، وصارت عداوتهم موالاة، وكفرهم إيمانا.

خرج عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- من بيته يكيد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عامدا لقتله، فصار إلى دار أخته وهي تقرأ سورة " طه "، فلما وقع في سمعه لم يلبث أن آمن.

وبعث ملأ قريش عتبة بن ربيعة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليوافقه على أمور أرسلوه بها، فقرأ (عليه) رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آيات من (حم) السجدة، فلما أقبل عتبة، وأبصره الملأ من قريش قالوا: قد أقبل أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به.

ولما قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القرآن في الموسم على النفر الذين حضروه من الأنصار آمنوا به، وعادوا إلى المدينة فأظهروا الدين بها، فلم يبق بيت من بيوت الأنصار إلا وفيه قرآن.

التالي السابق


الخدمات العلمية