صفحة جزء
فصل في الواقفة

أخبرنا أحمد بن عبد الغفار ، أنا أبو بكر بن أبي نصر ، نا أبو الشيخ، نا عبد الله بن محمد بن يعقوب قال: سمعت سليمان بن الأشعث يقول: سمعت أحمد بن حنبل سئل هل له رخصة أن يقول القرآن كلام الله، ثم يسكت؟ قال: ولم يسكت؟ لولا ما وقع الناس فيه، كان يسعه السكوت، ولكن حيث تكلموا لأي شيء لا تتكلمون.

وقال أبو كريب : القرآن كلام الله غير مخلوق. ومن قال: هو [ ص: 391 ] مخلوق، أو وقف فيه فهو جهمي .

وقال سفيان بن عيينة ، ووكيع : من قال هو مخلوق فهو جهمي، ومن وقف فيه فهو مثله، ومن قال: لفظي بالقرآن مخلوق فهو شر الثلاثة.

وقال محمد بن أبي بكر الزبيري : " القرآن من علم الله، فمن زعم أن شيئا من علم الله، أو من الله مخلوق فهو كافر ".

وقال أحمد بن منيع : " من زعم أنه مخلوق فهو جهمي، ومن وقف فيه فإن كان ممن لا يعقل مثل البقالين والنساء والصبيان سكت عنه وعلم، وإن كان ممن يفهم فأجره في وادي الجهمية، ومن قال: لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي ".

وقال غيره: ومن شك فيه حتى يقف بالشك فهو كافر لا تصلوا خلفه، ولا تأخذوا منه العلم.

وقال داود بن رشيد: من قال: إن القرآن مخلوق فقد أراد بقوله: إن الله لا يتكلم، فإذا نفى الصفة فقد نفى الموصوف وعطل.

[ ص: 392 ] وقال غيره: من زعم أن القرآن مخلوق، فقد لزمه أن يقول: كلام الله مخلوق، ومن لزمه أن يقول: كلام الله مخلوق لزمه أن يقول: قدرة الله مخلوقة؛ لأن الله -عز وجل- يقول: إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ، فمن لزمه أن يقول: قدرة الله مخلوقة، لزمه أن يقول: قدرة الله تفنى مع ما يفنى من الخلق.

ومن زعم أن قدرة الله تفنى، فقد زعم أن الله يبقى بغير قدرة، ومن زعم أن الله يبقى بغير قدرة فهو كافر. من ها هنا دخل عليهم الكفر.

وقال مصعب الزبيري : إن الله يتكلم بغير مخلوق، وإنه يسمع بغير ما يبصر، ويبصر بغير ما يسمع، ويتكلم بغير ما يسمع، وإن كل اسم من هذه يقع في موضع لا يقع غيره، ولست أقول: إن كلام الله وحده غير مخلوق، أنا أقول: أفعال الله كلها غير مخلوقة، وإن وجه الله غير يديه، وإن يديه غير وجهه. فإن قالوا: كيف؟ قلنا: لا ندري كيف هو؟ غير أن الله -عز وجل- أخبرنا أن له وجها ويدين ونفسا، وأنه سميع بصير. وكل اسم من هذه يقع في موضع لا يقع عليه الاسم الآخر. قال الله -عز وجل-: كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام . فهل يقال: للمخلوق ذو الجلال والإكرام، واحتج بقول الله -عز وجل-: إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني . [ ص: 393 ] فهل لمخلوق أن يقول ذلك؟ إني لأتهمهم أن يكونوا زنادقة، وإنهم ليدورون على كلمة لو أفصحوا بها زايلنا الشك في أمرهم.

وروي أن بشرا المريسي لقي منصور بن عمار فقال له: أخبرني عن كلام الله، أهو الله، أم غير الله، أم دون الله؟ فقال: إن كلام الله لا ينبغي أن يقال: هو الله، ولا هو غير الله، ولا هو دون الله، ولكنه كلامه. وقوله: وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله أي: لم يقله أحد إلا الله، فرضينا حيث رضي لنفسه، واخترنا لله من حيث اختار لنفسه. فقلنا: كلام الله ليس بخالق ولا مخلوق، فمن سمى القرآن بالاسم الذي سماه الله به فهو من المهتدين، ومن سماه باسم من عنده كان من الغالين فأله عن هذا [ ص: 394 ] وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون فإن تأبى إلا أن تفعل كنت من الذين يسمعون كلام الله، ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون.

التالي السابق


الخدمات العلمية