فصل
في بيان خطأ من
أنكر أن يكون في المصحف القرآن
يقال له: لم أنكرت أن يكون في المصحف قرآن؟ فيقول: لأن
[ ص: 162 ] المصحف فيه الحبر والكاغد - والحبر والكاغد - لا يكون قرآنا، وكذا كتابة القرآن على الجدران، وحواشي الثياب والبسط، إنما هو طين ولا زورد، ونقش ليس بقرآن، لأن القرآن لا يكون طينا ولا زوردا، وهذه الأشياء مخلوقة، والقرآن ليس بمخلوق .
يقال: له: إن كل عاقل يعلم أن الحبر والكاغد لا يكون قرآنا. ولكن الحبر إذا كتب له القرآن فتلك الكتابة تسمى قرآنا، لأن بها يتوصل إلى قراءة القرآن وإظهاره، والإخبار عنه، فهو ملازم له لزوم جزء من أجزائه، يوجد القرآن بوجوده، ويعدم بعدمه، وإذا وجد الشيء بوجود الشيء وعدم بعدمه فهو ذلك الشيء بعينه، وهذا كالاسم والمسمى. والاسم هو المسمى بعينه لأن الاسم يوجد بوجود المسمى، ويعدم بعدمه، فدل أنه هو بعينه.
ألا ترى أن حالفا لو حلف أن لا يقرأ القرآن، ولا ينظر فيه فقرأ كتابة
[ ص: 163 ] القرآن في المصحف، ونظر فيه حنث في يمينه، كما أنه لو حلف أن لا يضرب زيدا فضرب شخصه حنث في يمينه، ولو كان الاسم غير المسمى لم يكن حانثا في يمينه؛ لأنه ضرب شخصه، ولم يضرب زيدا الذي هو اسمه، وقد حلف على اسمه ولو يحلف على شخصه، وذاته المسمى به ، وكذلك لو قال: طلقت هندا فطلق شخصها وذاتها لم يطلق اسمها فقط، ولكن طلق شخصها واسمها، كذلك كتابة القرآن في المصحف وغيره.
ولأن الله تعالى ذكر الكتاب في عدة مواضع من القرآن، وسماه قرآنا، وأراد به القرآن، ألا ترى أنه قال:
إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون وقال:
الر كتاب أنزلناه إليك فسمى الكتابة قرآنا. أين كانت؟ لأن الكتابة والكتاب معناهما واحد يقول: كتبت الكتاب أكتبه كتابا، وكتابة وهما شيء واحد.
ولأن كتابة القرآن في المصحف وغيره. إذا عدمت من المصحف وغيره لم يمكن قراءة القرآن منه وبقي المصحف بياضا لا شيء فيه، فدل أن ذلك متعلق بالكتابة، وأنها كالوعاء الملازم للقرآن.
ولأن مصحف القرآن لا يخلو من أن يكون فيه قرآن، أو لا يكون فيه قرآن .
[ ص: 164 ] وإن قال المبتدع: ليس فيه قرآن فقد خالف الإجماع أنه مصحف القرآن، ولا يجوز أن يسمى مصحف القرآن، وليس فيه قرآن، لأنه لو لم يكن فيه قرآن كان من سماه مصحف القرآن كاذبا.
ولأن الشيء لا يضاف إلى الشيء حقيقة وأحدهما معدوم غير موجود، فإضافة المصحف إلى القرآن ، إنما يصح حقيقة إذا كان فيه القرآن في الحال، لأن الحروف والكلمات والآيات والسور المكتوبة في المصحف وغيره من نفس القرآن وعينه، لأنها حروفه وكلماته، وسوره، وإذا عدت قيل: عدت حروف القرآن وكلماته، حتى لو أن حالفا حلف أنه لا يتلفظ بالقرآن أو بآية من آياته، أو سورة من سوره فقرأ الكتابة أو تلفظ بتلك الحروف أو ببعض ذلك كان حانثا في يمينه، لأنه تلفظ بما هو قرآن، ولأنه:
112 - روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه
nindex.php?page=hadith&LINKID=708063نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو ". مخافة أن يناله العدو. فسمى المصحف قرآنا.
ولأن الله قال:
ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم فأبان أن المكتوب في القراطيس وعلى الجدار، والبساط، وغيرها قرآن يقع اللمس عليه .
ولأن الله تعالى قال:
إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون فدل أن المكتوب في المصحف قرآن لأن الله سماه قرآنا.
[ ص: 165 ] فإن قيل: المراد بذلك الذي في اللوح المحفوظ، وأراد بالمطهرين الملائكة.
قيل: المراد به القرآن الذي هو في اللوح المحفوظ، والقرآن الذي عندنا، لأن الله تعالى سماه قرآنا في كلا الموضعين.
وقوله:
لا يمسه إلا المطهرون ، يعني الملائكة والناس، فكما لا يجوز أن يمسه إلا المطهرون من الملائكة، كذلك لا يجوز أن يمسه إلا المطهرون من الناس ؛ لأن المحدث والجنب لا يجوز لهما أن يمسا المصحف حتى يتطهرا .